
لن تجد عند السلفيين تنظيرات سياسية أو تحليلات عسكرية لما يحدث الآن في مصر من فوضى وصفها المتابعون أنها (فلول النظام) وبعضهم قال (الثورة المضادة) ، بل لقد قرأت - وما أسخف ما قرأت - أن السلفيين ينفذون مخططاً سعودياً لبث الفتنة بعد رفض طلب عدم محاكمة مبارك؟
والسؤال الآن ، هل يجب على السلفيين أن يقوموا بالرد على كل إشاعة ؟ أو مع أي إفتراء ؟ ، هل ينبغي عليهم تصحيح الأفكار المغلوطة ؟
لقد رأيت أن يتوقف السلفيون عن الذهاب إجبارياً إلى مربع الدفاع عن النفس ؟ ويبدأوا في مهمة إنقاذ مصر ، من أجل إصلاح سفينة البلاد قبل غرقها.
وإنقاذ البلد الآن ، هي واجب ديني بالدرجة الأولى قبل أن تكون مهمة وطنية ، لأن الرابح الوحيد في هذه الفوضى هو الكيان الصهيوني الذي استطاع عن طريق الولايات المتحدة الأمريكية ترويض الحكام العرب فقلموا أظافرهم ولم يتجهوا نحوها بل اندفعوا إلى شعوبهم يسمونهم سوء العذاب .
وإنقاذ مصر يبدأ من إنقاذ الأسرة ، وهذا يعني أن يكون الهدف الرئيسي هو لم شمل الأسرة المصرية داخل كل بيت وكل عائلة ، من خلال استغلال المنظمات المدنية أو المؤسسات الخيرية التي تشرف عليها الوزرات الإجتماعية ، فالعائلة تتكون من مجموعة من الأسر التي لها مصاهرات ونسب وأطفال وشباب ، فما الذي يضير لو أن عميد أو كبير كل عائلة قد أنشئ جمعية بإسم عائلته ، ومن خلال شباب الأسر ، يستطيع أن يقوم بأمور عظيمة منها :
1. تجميع الصدقات والزكوات والأضاحي والملابس وغيرها ممن يفيض عن الحاجة من كل الأسر ، وإعاده توزيعها على فقراء العائلة أو الغارمين والمحتاجين منها.
2. إقامة لقاءات شهرية يتجمع فيها كل العائلة تهدف إلى التواصل الإجتماعي وصلة الأرحام والتعارف بين جميع الأجيال.
3. التعرف على مشاكل الأسرة وطرحها على كبار العائلة وإذابة الجليد بين الأزواج وحل المشكلة .
4. جمع تلاميذ الصفوف المشتركة وتقويتهم دراسياً بما يساعدهم على التفوق في مدارسهم.
وأظن أن الطريقة المذكورة آنفاً ، تؤسس بطريقة عملية صورة مدنية الدولة من خلال إنشاء منظمة عائلية تعد كوادر وقادة ومسئولين ومشرفين ومنفذين ، وتعودهم على تحمل المسئولية ، فهناك اشتركات رمزية سوف تقوم كل أسرة بدفعها شهرياً ، ومن يتولى مسئولية جمعها وصرفها لا شك أن ستزداد خبرته في الإدارة المالية ، كما أن توجيه الدعوات وتوزيعها على الأسر والحديث مع أهالينا بضرورة الحضور والمشاركة في يوم العائلة سيكسب المسئول عن هذا الملف خبرات التواصل مع الناس ، وترتيب مكان الإنعقاد والإشراف عليه سيكسب فاعله مهارة التنظيم والإعداد .
وهي في الوقت نفسه توضح أهمية المرجعية الدينية التي نحتاجها لكي تضبط تصرفاتنا وبما لا يخالف شرع الله عز وجل ، لأنها في نفس الوقت تكون قد عالجت مشكلة قطيعة الأرحام التي ألفها كثير منّا بحجة إنشغاله بالعمل أو أسرته أو أصدقائه ، وقد أمرنا الله سبحانه بالإحسان إلى ذوي القربى، ، فقال تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْـمَسَاكِينِ وَالْـجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْـجَارِ الْـجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْـجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا )} النساء: 36{ ،
وجعل الله عز وجل صِلَةَ الرحم سبباً لصِلَتَه بالواصل، كما جاء في الحديث القدسي الذي أخرجه الإمام أبو داود في سننه وصححه الألباني من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله عليه الصلاة والسلام : قال الله: "أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ الرَّحِمُ، شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي، مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ" ، وليست فقط صلة للأرحام ، بل هي أيضاً سبباً في زيادة الرزق كما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث المتفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره ؛ فليصل رحمه ].
ومن سيدفع ماله من أجل فقراء عائلته يدفعها وهو يعلم أنه يتصدق ويصل رحمه كما في حديث سلمان بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذوي الرحم ثنتان صدقة وصلة ) رواه النسائي والترمذي وحسنه وابن خزيمة وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
ولا يخفى عليكم بالطبع أن قطيعة الأرحام ذنباً عظيما لا يدخل صاحبه الجنة ، فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لاَ يَدْخُلُ الْـجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ"
فقطيعة الأرحام تعني إشاعة العداوة والبغضاء بين العائلات ، وتعمل على تَفَكُّكِ التماسُكِ الأُسَرِيِّ بين الأقارب؛ ولذلك قال الله تعالى محذرًا مِنْ حلول اللعنة، وعمَى البصرِ والبصيرة: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) [محمد: 22، 23]
