أصبحت السلفية بين عشية وضحاها حديث الساعة في كل مكان ، ولا تكاد وسيلة إعلامية تخلو من استخدام هذا المصطلح ومشتقاته ( السلف ، السلفيون ) ، إذ تنوعت مظاهر الاهتمام الإعلامي بالسلفية بعد أن دأب البعض عند كتابة مقالاته أو اعداد حلقاته المتلفزة أن يتناولهم بالذكر فتارة يحتفى بهم ، وتارة تشوه صورتهم بإستضافة بعض الشخصيات المثيرة للجدل في الأوساط السلفية لكي يتورطوا في أحاديثهم وتُستغل من قبل صائدي الأخطاء الذين لا يهاجمون الشخص فحسب بل وأيضاً المنهج.
ولست هنا أتحدث باسم السلفية ، ويا له من شرف ، لكني أحببت أن أشارككم في الإجابة عن تساؤلاتكم المشروعة عن السلفية ، وهل هي ( دين جديد ) والسلفيون هم ( المسلمون الجدد) كما يزعم البعض ، لا سيما وقد لاحظت أن الصوت العالي الذي تسمعونه دائماً هي الانتقادات الموجهة للسلفية ، والتي قد يكون صاحبها محقاً في توجيه نقده للسلفي إذا أخطأ ومتجنياً لو قصد المنهج برمته.
لكن أغلب النقد دائماً ما يأتي من أشخاص لا يبغضون السلفية فحسب بل وأي تيار ديني أيضاً مثل أصحاب الأفكار العلمانية وهو اتجاه إيدولوجي غالبا ما يستخدم لوصف فصل الدين عن الدولة ، وكذلك أصحاب التيارات الليبرالية التي تهدف في مبادئها لتحرير الإنسان كفرد وكجماعة تحرراً مطلقاً من كل القيود السلطوية ، ولا تهتم بصدامها مع الدين والملتزمين بأوامر ونواهيه ، لأن الليبراليين لا يريدون من يقيد حريتهم حتى لو كان سلطان الشريعة .
وربما جاء النقد أيضاً من اليساريين الاشتراكيين والشيوعيين والناصريين والقوميين ، والتي نشأت حركتهم اليسارية الأم كرد فعل على هيمنة الكنيسة على صنع القرار السياسي في القرون الوسطى في أوروبا وكان اليسار منذ بداياته معارضاً لتدخل الدين في الشؤون السياسية ، وكل هؤلاء الذين ذكرتهم أخذوا من هذه الأفكار العفنة ما أفسد عقولهم وعفن صدورهم ، وجرأهم على التطاول على الدين وأهله.
وبالطبع لا أنسى بعضاً من "الإخوان المسلمين" الذين استغلوا ظاهرة الهجوم على السلفية والأخبار الكاذبة التي تشوههم وأخذوا ينصحون السلفيين بالبعد عن فتاوى الفتنة ومراجعة فتاوى القبور والأضرحة وغير ذلك مما قرأتموه على صفحات الجرائد .
وهناك أيضاً من السلفيين أنفسهم من يسيئ للمنهج الرباني بسوء اختيار كلماته أو حين يخطئ في أفعاله ، فتهاجم السلفية من قبلهم ، لا سيما هؤلاء المعرفون في الأوساط السلفية بأنهم أصحاب توجهات وأفكار شاذة ودخيلة على أدبيات الفكر السلفي .
فما هي السلفية ؟ سؤال كان لابد أن يطرحه على نفسه من يريد أن يتعرف على هذا المنهج ، لا أن يتسرع في النقد والتوبيخه وهو يغرف بما لا يعرف .
فالسلفية كلمة مشتقة من " السلف " وتعرفون بالطبع أن السلف مقصود بهم السلف الصالح رضوان الله عليهم ، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، والتابعين الذين جاءوا من بعدهم ، ثم بعد ذلك الأئمة والعلماء والصالحين والعبّاد والزّهاد الذين اقتفوا أثرهم واتبعوا خطاهم وهو يعبدون الله عز وجل ، وقد مدحهم الله عز وجل فقال : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) { التوبة :100} .
وقال تعالى : (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً) {النساء 115} .
وإذا كان المسلم مأمور بإتباع الكتاب والسنة ، فلا شك أنه مطالب بتدبرها وفهم معانيها ، وهذا لن يأت إلا بفهم الصحابة الذين نزل عليهم القرآن وكان يتحدث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتابعين الذين تعلموا في مدرسة الصحابة ، ومن بعدهم العلماء والأئمة الذين يستنبطون الأحكام ويقعدون القواعد ويؤصلون الأصول ، هذه هي السلفية بإختصار شديد .
والمنهج السلفي قائم على قواعد كلية ، يبني بها أسس المسلم ، وهي :
1. التوحيد الخالص : لقوله تعالى : (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) {البينة : 5} ، ومن هنا جاءت المشاكل مع عشاق الأضرحة ومتوسلي القبور .
2. اتباع السنة : ومن هنا جاءت المشاكل مع المبتدعة الذين يخترعون العبادات ويتقربون بها وهم يعلمون مسبقاً أنها غير مقبوله لحديث النبي صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها ، وفي رواية لمسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).
3. الأخلاق : وهي ترجمة ما سبق بصورة عملية تظهر حُسن الخلق والأدب والرفق وغيرها من الآداب التي حثنا عليها الإسلام.
فمن يأتي بعد ذلك ويحاول أن ينال من نزاهة هذا المنهج الرباني فهو ببساطة يقدح في الدين ، ولكن من ينتقد أحداً من اتباعه فلا ضير طالما يملك العلم الذي يدحض به الشبهة ، والأدب الذي يجبر الطرف الآخر لقبول الحق واتباعه لحُسن أخلاقه.
ومن يحاول أن يفرغ سمومه وأحقاده على أئمة المنهج السلفي ، فلا شك أنه يعبر بكل وضوح عن حقيقته التي يخفيها خلف قلمه.
ومن يحاول أن يصور السلفيين أنهم مصدر التخلف وأساس الجهل ، فهو لا يحتاج إلى جريدة يكتب فيها بقدر إحتياجه الشديد لمصحة نفسية تعالجه من أمراضه الفكرية .
--------------------------------------------
مقال نشر في موقع الإسماعيلية دوت كوم ( الرابط )

هناك تعليق واحد:
المشكلة هنا مش فى المنهج فهناك من يقول "خبثا طبعا" ان المنهج السلفى يدعو الى كل ما تقدم فضيلتكم بطرحة وتقريره وهو لا يصطدم معه فكريا ولكن الهجمة الشرسة هى على من يطبقون المنهج على انهم يغالون فى الفهم او التطبيق وبذلك فهم بعد ان فشلوا فى النيل من المنهج قاموا بالتنديد "بالرموز" المنهج بحجة قصور الفهم او المغالاه فيه بالضبط مثل ما قاموا هم واخوان القردة والخنازير بالطعن فى القران ومحمد صلى الله عليه وسلم ولكن هيهات فبعد ما تبين لهم الحيلولة دون ذلك قاموا بالطعن فى الصحابة "الرموز" لاسقاط السنة وهكذا دواليك "مش عارف صح الكلمة دى ولا لأ"
اذا المشهد يتكرر ويعيد نفسه حتى تقوم الساعة
إرسال تعليق