فضيلة الشيخ : السيد عبدالمقصود
حفظه الله تعالى
--------------------------------------------------
الإسماعيلية .. والظلم الأمني !!
تاريخ .. ووقائع !!
---------------------------------------------------
بادي ذي بدء أقرر أنه لابد للناس من الأمن وممن يسهرون على الأمن لابد للناس من شرطة تقوم على حمايتهم وحماية ممتلكاتهم وأعراضهم ولايمكن أن يعيش الناس بلا أمن وكل هذا لاخلاف عليه لكن حديثي هنا عن شريحة من الأمن ارتكبت منكرات وفساد في حق نفسها وحق المجتمع وإلا ففي أبناء الشرطة شرفاء يؤدون الواجب حديثي عن قسم من المباحث وهو المسمى بأمن الدولة الذي تخصص في حماية كرسي النظام ولو على حساب إهدار كرامة الشعب وإذلال المواطنين إبان الأنظمة الفاسدة التي حكمت مصر من بداية العهد الملكي ومروراً بعهد الزعيم الملهم!!!!! وخلفه، وانتهاءً بنظام المخلوع وأحسب بل أجزم بأن ما وقع على محافظة الإسماعيلية من ظلم أمني من جهاز أمن الدولة ظلم قد لا يتصوره عاقل فقد ظل هذا الجهاز ومنذ أكثر من خمسين سنة في المحافظة وهو يضيق على المواطنين بشتى أصناف التضييق وقدر محافظتنا أنها كانت مهداً لدعوة الإخوان المسلمين رأيت من الأخوان من أبناء المحافظة من خرج من السجن وقد قطعت أوتار قدمه من الخلف بسبب التعذيب الذي مورس عليه فبات لايستطيع المشي ورأيت من عذب بوضع الدبابيس في أظافره ومن خلعت أظافره بالكماشة وغيره وغيره مما لامجال لذكرهم الآن وبات ضباط هذا الجهاز يتصرفون في المحافظة كأنها عزبة أو قرية من كدهم ومن كد أبيهم أقول هذا وأنا شاهد ومتابع لأنني من أبناء هذه المحافظة ونالني من الاضطهاد والاعتقال في محنة 1981 ما أحتسبه عند الله أنا وإخواني وعدد كبير من أبناء المحافظة الذين كانت أعمارهم من أصغر الأعمار في المعتقل ومن أكثرها عددا.
**************
منذ دعوة الإخوان المسلمين والمعتقلات والملاحقات الأمنية للشباب والمواطنين لا تكاد تنتهي وبلغت ذروتها في أعقاب مقتل السادات وفي عهد الرئيس المخلوع فأصبحت اللغة السائدة في المحافظة هي تكميم الأفواه لكل الاتجاهات والويل كل الويل لمن خطب خطبة ،أو ألقى درساً على الناس، أو أم قوماً في رمضان ،فالتهمة جاهزة ،وأمر الاعتقال جاهز فيودع الشاب في المعتقل سنين عددا ،والخط الواضح لسياسة هذا الجهاز في المحافظة هو سياسة تجفيف المنابع وكبت الحريات حتى امتد ذلك إلى منع حلقات تحفيظ القرآن في المساجد وبلغ من جرأة المخبر السري التابع للجهاز أن يأخذ أحد الشباب من وسط المصلين وهو يؤمهم في صلاة القيام في رمضان وهناك في المبنى يرمى به في قبو تحت المبنى لا يصلح لمعيشة الحيوانات فلا غطاء ولا فراش ولا طعام ولا شراب هذا بالإضافة إلى التحقيقات الليلية والتي يصاحبها عادة التعذيب وإهدار الكرامة والسباب بالأم والأب والاحتجاز لمدد طويلة والتهديد من الفصل من الوظيفة ولم تقتصر هذه الجرائم على المدينة بل امتدت إلى التضييق على القرى والمراكز التابعة للمحافظة خاصة في فايد والتل الكبير وأبي صوير وقد استمرت سياسة احتجاز الشباب وغيرهم حتى جاءت الثورة وهجم الناس على المقر لشعورهم بالظلم وكان أول مقر من مقرات أمن الدولة يحرق في المحافظات ووجد القائمون على حرقه بعض المحتجزين في قبو المبنى وأطلقوا سراحهم وتذكر الوثائق التي حصل عليها بعض الناس من المبنى مدى التضييق الذي مارسه ضباط وأمناء الشرطة على الناس والملاحقات الأمنية لأسباب غير معقولة ولا مقبولة فهذا شاب يلاحق ويكتب أمام سبب ملاحقته ((كثافة لحيته ))وآخر سبب ملاحقته ((زوجته منتقبة ))وثالث يلاحق والسبب ((يبيع مصاحف))والقائمة تطول.
**************
أيعقل أن تعد الطهارة جريمة ؟ومتى كانت الفضيلة جريمة وبيع المصاحف تهمة وسبباً للملاحقات الأمنية؟ إننا لانعرف ذلك إلا في شريعة قوم لوط وفرعون أما قوم لوط فلم يسرهم رؤية أهل الطهر والعفاف ولا مساكنة المؤمنين الموحدين لهم في الوطن فقالوا كما ذكره الله عنهم ((أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ))وأما الملأ الفاجر من قوم فرعون فقد قالوا لفرعون ((أتذرموسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وألهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون)) بل ذكر ربنا تبارك وتعالى تهديدات فرعون ((وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد))منطق عجيب وغريب أيتهم نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام بالإفساد في الأرض؟ هل الذي يدعو إلى توحيد الله وإصلاح المجتمع مفسد ؟!!،هل من ينشر الفضيلة ويحارب الرزيلة مفسد؟!! ما هذا المنطق المعكوس الذي يدل على انتكاس الفطرة؟!! لكن في شرع فرعون كل رزيلة فضيلة وكل موبقة خلق نبيل ،وكل فساد تحضر ومدنية، أذكر مرة عندما كنت أقوم بإلقاء درس في مسجد الاستقامة الذي ضربته قوات الأمن المركزي بالقنابل المسيلة للدموع أذكر وأنا ألقي الدرس رأيت عدداً كبيراً من رجال الأمن من المخبرين السريين الذين أعرفهم فقلت لما رأيتهم بهذا العدد قلت لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله و يتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة أقول ونحن يحفنا المخبرون ورجال أمن الدولة فخجل بعضهم وقام وخرج.
**************
لقد افترىل كثير من المخبرين السريين على الشباب المسلم في هذه المحافظة أذكر منهم مخبراً نشطاً ربما كانت ممارسات الجهاز كله تقوم على تقارير هذا المخبر ولا أبالغ إذا ما قلت لو خرجت دجاجة من بيتك إلى بيت جيرانك لأبلغ عنها وكتب عنها تقريراً لقد دعا غير واحد من المظلومين على هذا المخبر وممن دعا عليه والدي رحمه الله وبعد فترة صدمت المخبر سيارة فكسرت رجليه وكان يمشي على عكازين وقد أراد الجهاز أن يساعده في أن يؤدي فريضة الحج وسبحان الله لقد استعد للحج وذهب إلى المطار في انتظار الطائرة وإذا به يفاجأ بأن اسمه لم يدرج في الكشوف ممن سيتوجهون إلى أداء مناسك الحج وكأن مكة تنفي الخبث عنها فرجع خائباً ولم يقدر له الحج وأعرف عقيداً منهم يعلم أن بعض الشباب في البلدة كان قد ظلم في أحداث أديس أبابا ولم يكن له أي دور فيها وقد أخذ هذا الشاب ظلماً وتم شنقه في هذه القضية وتمر الأيام والسنون ويصاب هذا العقيد بعدة أمراض ولايزال يصارع الأمراض من جلطة إلى ضغط إلى سكر إلى شبه شلل وهكذا وهكذا ينتقم الله منهم في الدنيا قبل الآخرة وإن أنسى فلا أنسى في المعتقل ذاك المخبر السري وكان من مدينة المنصورة ولم يفلت من أذاه أحد إما بالضرب والتعذيب أو الشتم والسب أو حتى سرقة طعام المعتقلين وكانت نهايته أن أصيب بمرض جعلة يتبول على نفسه ولا يمسك بوله كما انتقم الله تعالى من حمزة البسيوني قائد السجن الحربي الذي كان يشرف بنفسه على تعذيب المعتقلين وكانت نهايته أن صدمته سيارة كانت محملة بأسياخ الحديد المسلح ودخل الحديد في رقبته ومات وكان عبرة للمعتبرين.
**************
يتسائل البعض لماذا كانت القبضة الأمنية في الإسماعيلية شديدة لهذه الدرجة من العنف بحيث ظلت المحافظة بعيدة عن زيارة الدعاة لها من خارجها في ذلك الوقت في اعتقادي أن ذلك يرجع إلى أربعة أسباب:
الأول: موقع المحافظة حيث تعتبر الإسماعيلية من محافظات المواجه مع العدو الصهيوني وظهر ذلك في حرب رمضان لذا حرص أنصار كامب ديفيد على أن تكون محافظات المواجهة من المحافظات الهادئة فكانت القبضة الأمنية على المحافظة من أشد القبضات ولا يليق في عرف أنصار كامب ديفيد أن يكون في المحافظة من يعارض سياسة كامب ديفيد وما تلاها لذا كان القرار هو تكميم أفواه التيارات الإسلامية في المحافظة ومنها الإخوان والسلفيين وهذا يفسر الكم الهائل من المعتقلين من أبناء المحافظة في عام1981.
الثاني : أن الإسماعيلية كانت استراحة المخلوع قبل انتقاله إلى شرم الشيخ واستراحة سلفه السادات ومن ثم كان لابد وأن تتوافر الأجواء الهادئة للمخلوع وسلفه فلا يعكر جوها بصوت الإسلاميين من وجهة نظر القبضة الأمنية .
الثالث : ما ابتليت به المحافظة من محافظ سابق كان يسعى لصناعة مجد شخصي له من خلال جمع الراقصين والراقصات والفنانين والفنانات وإقامة المهرجانات والكرنفالات في المحافظة كل سنة وإهدار للمال العام وأحياناً يتم جمع إتاوات من التجار للمشاركة في تلك المهرجانات التي تجمع البنين والبنات والاختلاط والموبقات وكانت هذه الممارسات من ذلك المحافظ مثار انتقاد من أهالي المحافظة وكان على علاقة سيئة بالإسلاميين ويحذر منهم في اجتماعاته الخاصة والعامة بالإضافة إلى كرهه الشديد لهم وخاصة الملتحين منهم بل كان يدخل المساجد ويحذر الناس منهم كما فعل في مسجد الصفا حيث أجلب بخيله ورجله على الشباب المسلم هناك وجاء بعدد من فلول الحزب الوطني وانهالوا على الشباب بالضرب في الوقت الذي كانت لوريات الأمن المركزي في الشوارع الخلفية تنتظر الانقضاض على الشباب المسلم في المسجد يوم الجمعة وتم اعتقال بعضهم وقتها ثم أطلق سراحهم بسرعة ومن السفاسف التي مارسها هذا المحافظ هجومه على النقاب في المدارس في المحافظة لدرجة أنه جمع بعض الفتيات في مكتبة وظل يحذرهم من بعض الدعاة ويسبهم ليستفز الفتيات ومنهن إحدى القريبات مني مما جعلهن يحتقرن حديثه ومواقف هذا المحافظ مع التيار الإسلامي في المحافظة كثيرة لامجال لذكرها ومن الجدير بالذكر أن يعرف الناس أن عيون هذا المحافظ كانت مفتحة على الإسلاميين فقط بينما كان يغض الطرف على ممارسات فلول الحزب الوطني والمنتفعين فطفقوا ينهبون ما يشاءون من عقارات وأراضي وشقق وقروض من البنوك دون ضمانات والهرب بها خارج مصر وغير ذلك.
الرابع : أن المحافظة كانت المهد الأول لدعوة الإخوان المسلمين وقد انتظم فيها عدد كبير من أبناء المحافظة ومن ثم كانت القبضة الأمنية شديدة.
**************
لقد أنفقت الأموال الكثيرة على أجهزة الأمن بوزارة الداخليةوفي مقدمتها جهاز مباحث أمن الدولة وكان هذا للأسف على حساب كثير من القطاعات كالصحة والتعليم والبحث العلمي والخدمات الاجتماعية فتذكر الإحصائيات أن ميزانية الداخلية عام 1981 كانت 300 مليون جنيه، وأما في 2009 فقد بلغت 9 مليار جنيه وبنظرة فاحصة لعدد رجال الأمن مقابل عدد المواطنين يتبين لك كيف استطاع النظام المستبد السابق أن يثبت أركانه ويحكم قبضته مستخدماً أموال الشعب المصري البائس الفقير حتى فاق جهاز الأمن في مصر جهاز الأمن في إيران المسمى بالسافاك أيام شاه إيران الهالك فقد كان في إيران رجل أمن لكل 47 مواطن أما في المحروسة كما يقولون فقد كان في العهد الملكي قبل الثورة رجل أمن مقابل 120 مواطن وبعد ثورة يوليو 1952لم يختلف الحال كثيراً فرجل أمن يقابل 119 مواطن أما في عهد الرئيس المخلوع فتشير الإحصائيات إلى تخصيص رجل أمن مقابل 42مواطن وهذا والله من اعجب ما سمعنا وهذه الإحصائيات من فم الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل لقد استطاع جهاز أمن الدولة تجنيد عملاء له في كل مصلحة في الجامعات في المؤسسات ،في المستشفيات، في المدارس، في المصالح الحكومية تغلغل هذا الجهاز في مفاصل الدوله ،لقد وجد الجهاز من ضعاف النفوس والإيمان وذوي المصالح الشخصية وبعض الصحفيين ممن سمح لضميره أن يكون بمثابة شقة للإيجار في خدمة النظام السابق والتسبيح بحمده، لقد وصلت البذاءة بهذا الجهاز أن يقوم بالتجسس على الجيش كما أظهرت الوثائق التي أخذت من المقرات الأمنية، فكم تحمل شعب مصر من ظلم هذا الجهاز ،حاربوا الناس في لقمة عيشهم ،فلا التحاق بوظيفة إلا بعد موافقتهم ،ولا ترشيح لناخب إلا بمباركتهم ،ولا صعود على منبر جمعة إلا بعد إذنهم وتم استبعاد كثير من المدرسين الإسلاميين عن حقل التعليم وإلحاقهم بوظائف إدارية ووصمهم بالتطرف والرجعية في الوقت الذي كان يتم فيه تعيين النصاري في المدارس ،ولكن قضي الله سبحانه أن يهلك الظالمين من حيث لم يحتسبوا ،كما يرزق عبده المتقي من حيث لم يحتسب، بل أكثر من ذلك ربما جاء هلاك الظالم وإذلاله من حيث يتقن، فكم من سباح ماهر في السباحة مات غريقاً ،وكم من كهربائي محترف مات مصعوقاً، وكم من سائق يجيد فن السياقة مات بحادث في سيارته، وكم من منتسب لجهاز أمن الدولة ظن أنه في مأمن بالعساكر والجنود فأتاه أمر الله عز وجل ودوام الحال من المحال وسبحان من له الدوام.