قبل ٣٠ يونيو المنصرم أراد الانقلابيون من خلاله القفز على الشرعية الحقيقية التي عبرت عنها الجماهير في الصناديق بطريقة موثقة ورسمية ، ليجلس الفائز على منصة التتويج .
فدولة المخلوع مبارك ، لم تكن لترضى بهذه الهزيمة النكراء ولم تكن تستطيع أن تقف أمام المصريين في اتحادهم الرهيب في يناير-فبراير ٢٠١١ .
لم يستطع قيادات الحزب الوطني أن يناموا لياليهم ولعنات الشعب تطاردهم ، ومصيرهم بات مهدداً في هذه الدولة الجديدة الحرة .. فماذا يصنعون حتى يستردون مصر التي يعرفونها .
لقد تفتق ذهنهم لاختراع خطة جهنمية جلس الشيطان وقتها على مائدتهم فاغراً فاه ولم يستطع أن يخفي دهشته من هذه الحنكة الإجرامية ، والخطة التي لا يصدقها عقل ، خرج بعدها يضرب كفا بكف .. ويقول : (استغفر الله العظيم) ، (اللهم إني برئ مما يصنعون).
بدأت الخطة بإيهام الشعب الغلبان أنه استرد حريته وكرامته ، ويستطيع أن يقرر مصيره !
وفاجأ النائب العام عبدالمجيد محمود الرأي العام الثمل من نشوة الانتصار ، بالتحقيق مع مبارك الذي كان في شرم الشيخ وبعد مضي فترة من الزمن نقلوه إلى المستشفى العالمي في طريق الاسماعيلية الصحرواي ، بعد ارتفاع أصوات تطالب بخروجه من شرم الشيخ . وحتى لا ينكشف مخططهم الذي اكتملت اركانه بإذاعة التنحي وتولي المجلس العسكري مقاليد الحكم في البلاد.
ثم توالى الحفاظ على قادة الفساد من السلطة الحاكمة حتى يكونوا تحت سمع وبصر الجهاز الأمني ، وهي أمور كشفتها أخطاء تلقائية أثناء المحاكمات المسرحية ، فتجد الضباط والجنود يسارعون لأداء التحية العسكرية لأبناء مبارك والعادلي.
وتم التحفظ عليهم لحمايتهم من بطش الشارع إلى أن يهدأ !!
ولأن الشعب غشيماً سياسياً ، فقد عرف الاعلانات الدستورية مبكراً على يد العسكر ، ثم بدأت خيوط الخطة تظهر معالمها باستغلال الاختلاف المنهجي والأيدولوجي عند الفرقاء السياسيين ، وكان أولها تمثيلية (الدستور أولا . أم الانتخابات)، لتزيد من هوة الخلاف السياسي وتعمقه بواسطة سحرة الأعلام الذين يزينون الباطل ويقدمونه للناس على أنه الحق المبين.
فوجدنا شائعات هدم الانتخابات وعلاقتها بالجنة والنار وسمعنا أكاذيب القبور والأضرحة وقطع الأذن وجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، استخدموا كافة الأساليب غير المشروعة في تشويه هذه الثلة . واستغلوا أخطائهم الحقيقية لتضفي نوعاً من الصدق على أكاذيبهم.
وبعد أن تحولت الدولة من شرعية الثورة إلى شرعية القانون كان الشامخ يلعب بحرفية شديدة ليزيد من سخط الشعب على الأوضاع من خلال مسلسل البراءات التي كانت تخرج قتلة المتظاهرين .
ولأن الشعب تم اختباره من قبل في الاستفتاءت والانتخابات ، وكانت النتيجة دائماً في صالح الإسلاميين ، فلم يكن هناك أي أمل منه أن يعطي صوته للمعارضة التي تملك الجعجعة لكن ليس لها أي رصيد شعبي في الشوارع.
فبدأت الخطة في خلال خلق أزمات استراتيجية يعاني منها المواطن البسيط ، حتى يكون هناك تناغم بين ما يقدم في الفضائيات من شائعات وأكاذيب وبين حالات التململ التي ظهرت على المواطن بعد أن وصلت الأزمة إلي بيته من خلال قطع الكهرباء واختناق المرور من أزمة السولار والبنزين.
وفي مخطط مخابراتي بالدرجة الأولى تم الإيعاز إلى هذه القنوات الموجهة وسلطت الضوء على هذه المظاهرات التي أخذت وعداًً عسكرياً بفصل أجهزة الحياة عن نظام مرسي ليموت إكلينيكياً بعد ٤٨ ساعة ، فاحتشد الناس الذين تم تغذيتهم بآهات المعاناة في الفترة السابقة ، وهم على يقين أن ٤٨ ساعة تفصلهم عن الراحة.
فمعظم الذين خرجوا يوم ٣٠ يونيو هم ضباط الشرطة وأسرهم وجنود الأمن المركزي ، حتى أن وزراء الداخلية السابقين كانوا يتزعمون المسيرات ويصرحون بكل وقاحة أن الشرطة في خصومة مع الإخوان.
والأقباط الذين تم حشدهم من الكنيسة للتخلص من النظام الإسلامي ، والثوار الذين رأوا أن الاخوان يغرد منفرداً عن سرب السياسة وتم حشد أتباع الأفكار الأخرى المناهضة للمشروع الإسلامي.
والفنانيين والرقاصيين الذين روجوا من خلال أعمالهم القذرة السخرية من المشروع الإسلامي ويكذبون على أنفسهم حين يرددون أنهم ليسوا ضد الدين.
ولأن الأمر معد سلفاً تم تخصيص طائرة هليكوبتر لخالد يوسف لتصوير المظاهرات ، وقد أظهرت التسجيلات المسربة أنهم كانوا يعتمدون على المظاهرات المؤيدة لمرسي في إيهام الرأي العام أن الشعب كله ضد مرسي وأن الجيش قد تدخل في الوقت المناسب بمشرط الجراح لإجراء هذه العملية الجراحية السياسية الخطيرة.
ولأن قادة الإنقلاب لا يفهمون في السياسة فقد انقلب السحر على الساحر ، وقام الشعب الأبي ينتفض ثائراً على هذه خدعة العسكر.
وملأ الميادين و لكن لا حياة لمن تنادي لاتوجد طائرات تصورها ولا قنوات تنقلها لأن الديمقراطية والحرية من وجهة نظر الإنقلابيين هي غلق القنوات المؤيدة للمنافس واعتقال قياداتهم ورموزهم وتلفيق التهم وتقديم البلاغات فيهم.
لم تنطل هذه الخدعة العسكرية على الشعب الذي وجد نفسه بال أزمات لا قطع كهرباء ولا أزمة سولار أو بنزين ، وفهموا أنها كانت أزمات تكتيكية بهدف خلق حالة من الفوضى الشعبية مع البهارات الإعلامية وتنجح خطة الإنقلاب التي باركها شيخ الأزهر الذي كان مؤيداً لشفيق ولم ينس يوماً أنه ابن الحزب الوطني الذي ثار عليه الشعب ، والبابا الذي وجدها فرصة بيد غيره للتخلص من النظام الإسلامي ، وحزب النور الذي لا تجد له عذراً غير عصمة الدماء التي يتعلل بها ، لكن الأحداث التي سبقت البيان تجعل الشك قوياً أنهم كانوا على علم بانقلاب العسكر ، وليس هذا رجماً بالغيب ولا بحثاً في النوايا ، ولكن كلام الشيخ البرهامي قبل المظاهرات وتلويحه بنتائجها يصب في هذا الاتجاه ، إذ يقول الشيخ : في حوار لبرنامج «الشعب يريد»، على قناة «التحرير»، مساء الثلاثاء قبل المظاهرات: «لو وصل العدد في الشارع أكثر من اللي انتخبو الرئيس مرسي أنا هقوله إنه يستقيل». فلماذا هذا التصعيد ؟ ولماذا يمنح لهم شرعية ما يقومون به.
إن الاعتراض على أداء الرئاسة ينبغي أن يكون في إطار قانوني حتى نتحول من الثورة إلى الاستقرار المؤسسي ، ويكون التغيير بالإطاحة بالحكومات أو الوزراء المتخاذلة ، لكن الرئيس يجب أن يحاسب من قبل مجالس الشعب المنتخبة.
وفي كل دول العالم المتقدم يمارسون السياسية من خلال الأغلبية والمعارضة ويكون الصراع على أشده ولكن داخل البرلمان ويعرف تأثير الشارع من خلال استطلاعات الرأي ، ولكن لم تكن أبداً انخفاض الشعبية وسوء الأداء سبباً في الثورات . بل الثورات تقوم على أساس الظلم والاستبداد والقهر. وهو لم يكن متوفراً في انقلاب ٣٠ يونيو المخابراتي.
ومن يتابع خطاب الرئيس قبل الانقلاب وبيان وزير الدفاع تجد أنه متطابق جداً في كل نقاط الحل ، لكنهم ثاروا على الرئيس وتقبلوا السيس.
ومن يقرأ الاعلان الدستوري الأخير الذي يمنح الصلاحيات التنفيذية والتشريعية والقضائية للرئيس المغتصب للسلطة ، سيجد أنهم ثاروا على الرئيس المنتخب من الشعب على أقل منه.
ولم يتفوه أحد بكلمة حين عين المغتصب النائب العام ، ولكنهم ثاروا على المنتخب حين أقال نائب مبارك وعين بدلا منه.
ولم يقم الرئيس المنتخب بتكميم الأفواه لكل من نال من سمعته وشرفه ولم يغلق صحيفة ولم يقصف قلماً ، لكنهم ثاروا عليه وقبلوا بغلق القنوات الدينية واعتقال الأبرياء وتلفيق التهم لهم والتحقيق معهم في أي قضية.
نحن نعيش عصر الفوضى السياسية بواسطة قادة عسكريين أقحموا أنفسهم في الحياة السياسية دون داع ، وحاولوا أن يظهروا بمظهر الأبطال ، على شعب يأكل ويشرب أمام تلفزيون لميس وخيري وريم ويسري وعكاشة وغيرهم من سحرة الأعلام الذين غسل مخ الشعب الغلبان ، ولن تفلح آلة كذبهم في تعديل الصورة التي آراها واضحة رأي العين ، وكل أسف على من لا يرونها !
أنا ضد هذا الانقلاب العسكري .. الباطل شرعاً وقانوناً ودستوراً !!
أنت أيضاً يجب أن تقف ضده بكل قوة .. وليكن مواجهتنا للإخوان وغيرهم عن طريق إقناع الشعب بسياستنا وطرق عملنا فيعطي رأيه في صندوق الانتخابات ، الذي يعبر بطريقة رسمية وموثقة عن رغبات الشعب في التغيير ، وليس بكاميرات خالد يوسف ! فلنرضى جميعاً بهذ الأسلوب .. لأن البديل قد لا يعجب الأخرين !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق