الله يرحمك يا مصر !!
أتابع عن كثب ما يحدث في بلدي الحبيبة مصر، وكم يؤرقني ما آلت إليه الأوضاع هناك ، وكم يحزنني ما أقراه من خسائر إقتصادية هائلة في البورصة المصرية وتوقف لعجلة الإنتاج ومعدلات البطالة التي ترتفع والنمو التي تنخفض والعائلات التي تضيع والجرائم التي انتشرت والبلطجية الذين اعتصموا بحبل الشيطان، وكم أصابني اليأس من إضطرابات الأساتذة واعتصامات العمال ، ومظاهرات الناشطين ، كم هالني حجم الفرقة والتشرذم التي اتفقت عليها جميع الحركات السياسية والأحزاب الوطنية ، كم أتعستني الحكومة ببطئها في إتخاذ القرارت الحاسمة ، وكم أزعجني المجلس العسكري بجموده الفكري وحلوله القديمة التي تمرس عليها منذ أيام مبارك .
وجلست أفكر واتسائل .. أين المخرج لهذه الأزمة ؟
إن الأساس الذي ينبغي أن نبني عليه تصوراتنا لحل الأزمة الداخلية المصرية قبل أن تنهار أكثر من هذا ، يكمن أولاً في وحدة الصف لا وحدة الرأي ، فمن الغريب أن ترى شعباً بأكمله قد انقسم على نفسه انقساماً خطيراً في محاولة لإفساد نجاح ثورته ، والمصريين هم أنفسهم الذين يجهضون الأفكار الحُبلى بالمستقبل المشرق ، فتراهم قد صنفوا بعضهم البعض تصنيفاً رئيسياً "ثوار ، فلول ، أبناء مبارك ، أغلبية صامتة" وتصنيفات فرعية بعد ذلك مثل لائحة "العار" والقوائم "السوداء" ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، فهناك التصنيفات السياسية مثل " الليبرالية ، العلمانية ، الديمقراطية ، الإخوان ، السلفيين".
1. توحيد الصف المصري :
والحل من وجهة نظري أن نوحد صفوفنا ونقوي جبهتنا الداخلية بالحوارت النابعة من المسئولية ، وأننا جميعاً على سطح سفينة واحدة تسير في إتجاه واحد ، ونبتعد عن لغة التخوين ، ونجتمع على أرضية مشتركة ، نقف من خلالها في مربع واحد ننطلق منه للخطوة الأخرى ، ولا شك أن هذه الأرضية المشتركة هو أننا نتقاسم - شئنا أم أبينا - وطناً واحداً هو مصر ، فكلنا مصريين ولا ينبغي أن يحتكر أحدنا الحل ، ولا بد أن نتخلص من الطريقة الفرعونية : (مَآ أُرِيكُمْ إِلاّ مَآ أَرَىَ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاّ سَبِيلَ الرّشَادِ) ، ويظن أنه فقط الذي يملك مصباح علاء الدين أو أنه هو المتحدث الرسمي بإسم الدين ، فيفرض على الجميع آليته هو وفكره هو وحلوله هو دون النظر بعين الإعتبار إلى الوجهات الأخرى والأراء التي تقال حوله والأفكار التي تطرح من هنا وهناك ، فيدب الشقاق ويبدأ التشرذم ويقف الخلاف.
2. حكومة جديدة :
من أسباب إنهيار الجبهة الداخلية في مصر الآن ، هو عدم اقتناع الأغلبية بمجهودات الحكومة ، وهي بالفعل لم تُحسن استغلال الفرص التي جاءتها فأدارت الأزمات السابقة بطريقة غير مقنعة ولم تجذب أحداً في صفها ، بل ظهر جلياً ضعفها في إتخاذ القرارات الإستراتيجية لاسيما تلك التي تتعلق بالأمن القومي الخارجي كالتي وقعت على الحدود ، كما أن حالة الإنفلات الأمني الذي تعيشه مصر واقعاً مراً ما زال حتى اللحظة ولم يستطع أحد من وزراء الداخلية السابقيين أن يكسر شوكة البلطجية ، الذين يستجيبون لإغراءات المال التي تعودوا عليها من النظام السابق وعاثوا في مصر فساداً حصلت بعده وزارة الداخلية على وسام الفشل الذريع من الطبقة الأولى ، فالحكومة الجديدة نريدها قوية حازمة حاسمة لا تأخذها بالخارجين عن القانون رحمة ولا شفقة ( دون اللجوء إلى قانون الطوارئ) ، ولا تترك البلد مرتعاً فسيحاً للبلطجية والهمجية يروعون الآمنين ويسرقون وينهبون ويعتدون على الناس في غيبة القانون والشرطة.
3. مشروع قومي:
إن الآف وملايين المصريين تشرأب أعناقهم يريدون أن يشاهدوا مشروعاً قومياً يجتمعون عليه ، يعملون على نجاحه مثلما اجتمعوا بالملايين على نجاح ثورة 25 يناير ، فتدور عجلة الإنتاج وفرص العمل ويرتفع الدخل الفردي والقومي ، وتنخفض معدلات البطالة ، ويقل عدد قضايا الإجرام التي نشأت من الفراغ والبطالة.
4. مشروع عربي:
فالعلاقات الخارجية المصرية يجب أن يتغير أسلوبها ولا تعتمد فقط على توازنات المنطقة الإقليمية بقدر ما يعتمد على تقوية الجبهة الداخلية ، مثل تحسين العلاقات مع دول الجوار ، ويلتقي وزراء الإقتصاد والتجارة والأعمال والمالية والبترول والدفاع العرب ، فيعكفون على دراسة مشاريع مشتركة توحد الأمة وتجمع شتات شملها ، مثل : إنشاء سوق عربي موحد ، وعملة عربية موحدة ، جيش عربي موحد ، فيأتي ويذهب المستثمرون والتجار هنا وهناك ، وتفتح أبواب الرزق والعمل على مصراعيه للعمال المصريين وتزيد فرصهم في الخارج وبالتالي ينعكس على التحويلات والعملة الصعبة والإحتياطي العام ، ويتفقون على تكوين جيشاً عربياً ومصانع حربية تهدف إلى حماية مصالحنا الإستراتيجية المشتركة وأوطاننا ، ولا شك في إنعكاس ذلك على زيادة أعداد المجندين في الداخل والخارج وتبادل الخبرات العسكرية وتمويل الصناعات الحربية فيما بيننا دون الحاجة إلى أمريكا وروسيا وأوروبا ، بل سيكون من الأهداف الإستراتيجية رحيل القوات الأجنبية في منطقة الخليج والبحر المتوسط وإحلال الجيش العربي بدلاً منها .