أحدثكم بقليل من كثير عن الحياة الإجتماعية للمسلمين وكيف صانت الشريعة عفتها وحفظت كرامتها ، تلك الشريعة التي يتطاولون عليها الآن ويسخرون في فضائياتهم وصحفهم متسائلين وبأي تفسير سنأخذ ، " كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا "
فماذا وجدنا بعد تحكيم غير شرع الله عز وجل ، غير زنا المحارم والخيانات الزوجية ، أطفال الشوارع اللقطاء .
أيها الأحبة :
فمن يتأمل في حياتنا الإجتماعية سيجد أن الشريعة الإسلامية وضعت أسسا لتنظيم علاقة أفراد المجتمع ببعضه ، حتى قبل تكوين الأسرة ، فقد تعاملت الشريعة مع الذكر والأنثى ، ففرقت بين الأبناء في المضاجع ، أخرج الإمام أحمد وأبو داود وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع ) .
ثم وضعت الشريعة إطاراً عاماً وضوابط شرعية للتعامل بين الرجل والمرأة ، تحت شعار
( ولا تقربوا الزنا ).
• فأمرت المرأة بالحجاب :
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ) .
• ومنعت المرأة من التزين وإبداء زينتها لغير محارمها :
قال تعالى : (وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ ).
• وأمرت المرأة بغض البصر:
قال تعالى : (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ).
• وأمرت المرأة بعدم ترقيق صوتها وخضوعها في القول مع الرجال :
قال تعالى : ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ).
• ثم أمر الرجل كذلك بغض البصر ، قال تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ).
• أمرت الرجل ألا يخلو بإمرأة :
أخرج الإمام أحمد في المسند وصححه الألباني من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما ).
• ومنعت سفر المرأة بمفردها من غير محرم:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها ) رواه البخاري ومسلم .
• أمرت الرجل بعدم ملامسة المرأة الأجنبية عنه :
فقد أخرج رواه الطبراني في الكبير وصححه الألباني عن معقل بن يسار يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لئن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " .
• ثم منعت الرجل من الدخول على المرأة :
ففي الصحيحين من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟ قَالَ : الْحَمْوُ الْمَوْتُ ) .
• ولم تكتف الشريعة بوضع القواعد الشرعية المنظمة للعلاقة بين الرجل والمرأة بل وضعت عقوبات رادعة لمن تسول له نفسه التجرؤ على حدود الله تعالى ، فأمرت بجلد الزناة :
قال تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ).
• ورجمهما إن كانا محصنين متزوجين :
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل الزاني (هل أحصنتَ ؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال : اذهبوا به فارجموه ).
• هكذا حفظت الشريعة أنساب المجتع من الاختلاط وحمته من الدعارة والفجور ، واستمرت في حفظها لسمعة أبناء المجتمع من التشهير بهم وإيذائهم بالقول فوضعت حداً للقذف ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً).
• ثم نظم الإسلام عملية القران بين الزوجين حتى الفراق والطلاق:
فقال تعالى : ( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) .
• ووضع لها ضوابط ومعايير مثلى لإختيار الزوجين :
كاظفر بذات الدين تربت يداك الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) وحسنه لغيره الألباني في السلسلة الصحيحة .
• وأمر الإسلام الزوج بحُسن العشرة فقال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )
• ورغم ترغيبه في نكاح المرأة بقوله تعالى : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) ، لكنه حذر من إتيان الزوجة في فترة حيضها كما في قوله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ ) ، أو في نهار رمضان ففي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلَكْتُ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَ وَقَعْتُ بِأَهْلِي فِي رَمَضَانَ قَالَ تَجِدُ رَقَبَةً قَالَ لا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لا قَالَ فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لا قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ اذْهَبْ بِهَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ قَالَ عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ
ونهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان امرأة في دبرها وعدها كبيرة عظيمة من الكبائر كما أخرج أبو داود في سننه وصححه الألباني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : (ملعون من أتى امرأته في دبرها)، بل صرح النبي صلى الله عليه وسلم بكفر من يجامع زوجته وهي حائض أو في دبرها ، أخرج أبو داود وصححه الألباني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ) ، وفي رواية أخرى : ( من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أُنزل على محمد).
فإذا ما أسفرت العلاقة الزوجية عن أبناء نظمت الشريعة حدود العلاقة مع الوالدين فوصاهم بهما ، قال تعالى : ( ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً ) ، ونهت عن التطاول عليهما بالقول أو الفعل فقال تعالى : ( ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما ).
ثم شرع الطلاق إذا استحالت العشرة بينهما واستنفدت جميع طرق الإصلاح ، فقال تعالى : ( الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ).
ونهى الزوج عن ممارسة أساليب ملتوية لمنح زوجته الطلاق دون أن يتكبد أي خسائر مالية ، كأن يرغمها على التنازل عن حقوقها المالية أو العينية ، فقال تعالى : ( وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ ).
فإذا ما مات أحد الزوجين نظمت الشريعة العلاقات الاجتماعية والمالية التي نشأت في أعقاب هذه الوفاة ، فشرع فترة الحداد للمرأة ومنعت الرجال الراغبون في نكاحها من التواصل معها إلا بعد انتهاء هذه المدة المشروعة ، ونظمت العلاقة المالية فوزعت التركة والأموال والأصول وقسمتها على مستحقيها طبقاً لنوعه ودرجة الصلة بالميت.
وصدق الله تعالى إذ يقول : ( بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) [المؤمنون :٩٠]