
لأن اتهام المفتي للحويني فيه نوع من سوء القصد ، إذ أن الحلقة التي انتقد فيها الشيخ الحويني للمفتي كانت في أول اسبوع من يوليو الماضي ، فلماذا بعد مرور أربعة أشهر تقريباً يتذكر المفتي هذه الإهانة إن جاز تسميتها بالإهانة ، هل لم يستطع النوم بعدها مثلاً ؟ هل شتت تركيزه العلمي ولم يعد هناك مساحة ذهنية تساعده على التفكير وصوت الحويني يرن في أذنه " ولد ميتاً .. ولد ميتاً .. ولد ميتاً ".
وإذا كان المفتي يعتبر عبارة " ولد ميتاً " إهانة شخصية له وجرح لكبريائه ، فبماذا يسمي لنا اتهامه الكاذب للحافظ ابن حجر بأنه كان يبيع الحشيش ، وبماذا يصف لنا قوله الباطل لمحدث العصر الألباني أنه كان يعجن في الحديث ، وهل سيجد ماء لوجه أو حمرة الخجل فيه وهو يعاير العلامتين ابن تيمية وابن القيم بأنهما سجنا ، واستهزأ بهما بكلمات أقل ما يقال عنها أنها تطاول في حق علمين كبيرين من أعلام الفكر الإسلامي ، وربما يندم على افتراءته في حق الإمامين لو سمع ما قاله الإمام القاضي بهاء الدين بن السبكي :[والله ما يبغض ابن تيمية إلا جاهلٌ أو صاحبُ هوىً يصده هواه عن الحق بعد معرفته به]. ولا يتوقع أحد أن تصدر من رجل شمَّ رائحة العلم فضلاً أن يصدر هذا الكلام ممن يتبوأ منصباً دينياً رفيعاً.
ثانياً:
لماذا اعتبر المفتي هذه العبارة سب وقذف ، في الوقت الذي امتلأت فيه كتب أهل الحديث بعبارات النقد والجرح والتعديل لبيان حال الراوي ومعظمها أشد قسوة من هذه العبارة.
ثالثاً:
من المؤكد أنه لا يخفى على أحد حالة الإرتباك الشديد للمشهد السياسي بسبب ضعف الحالة الأمنية ، ومع ذلك فضّل المفتي مصلحته الشخصية على مصلحة وطنه ، واهتم بكرامته على حساب وحدة بلده ، ولم يسأل نفسه ولم يشر عليه مستشاروه بأن الحالة المحتقنة قد تزداد سوء وتهدد الجبهة الداخلية لو أنه تمادى في المطالبة بحقه المزعوم ، فتأججت مشاعر الآلآف من السلفيين فجاءوا من كل صوب وحدب يقولون لشيخهم ( لست وحدك ) ، وتجاوزت الأمور نصابها وأصبح الأمر بين فريقين لا بين شخصين.
رابعاً:
لماذا يظن المفتي أن منصبه السياسي هو الحصن الحصين له يمنع الأخرين من الإقتراب والتصوير ، لماذا يعتقد المفتي أن له قداسة وهيبة تمنع الآخرين من المساس به ، على الرغم أن أحداً لن يجد صعوبة في العثور على مواقف سوداء لهذا الرجل ، ومن مواقفه الغريبة والعجيبة والسخيفة أن يحتفل بعيد ميلاه وسط الفنانين والفنانات والساقطين والساقطات في نادي روتاري التي أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف سنة 1405هـ وفق 1985م فتوى بشأنه جاء فيها:[ إن من بين هذه الأندية الماسونية والمؤسسات التابعة لها مثل الليونز والروتاري، وهما من أخطر المنظمات الهدَّامة التي يسيطر عليها اليهود والصهيونية، يبتغون بذلك السيطرة على العالم عن طريق القضاء على الأديان، وإشاعة الفوضى الأخلاقية، وتسخير أبناء البلاد للتجسس على أوطانهم باسم الإنسانية، ولذلك يحرم على المسلمين أن ينتسبوا لأندية هذا شأنُها، وواجبُ المسلم ألا يكون إمعةً وراء كل داعٍ ونادٍ].
ومن مواقفه البغيضة ، مجاملته الفجة لعائلة الرئيس المخلوع في وفاة حفيده ، على حساب هيبة المنصب الديني ، وضح هذا من حالة الإنكسار والحزن الشديد المتكلفة ، أو ما قاله رثاء له وكيف أنه لم ير جنازة عليها مثل هذه السكينة والوقار ، وأن الطفل ملاك من أهل الجنة .
ولن ينس أحد الفتاوى العرجاء له ، حين يقول : إن النقاب ثقافة عفنة، على عكس ما قاله علي جمعة نفسه قبل توليه منصب المفتي حيث قال: إن النقاب فرضٌ عند ثلاثة من علماء المذاهب، ومستحبٌ لدى المذهب الرابع .
ومن هذه النوعية من الفتاوى أيضاً ما يسمى بالدجل العلمي في زعمه رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظةً وقد حصل له ذلك ، وهو ما تستطيع أن تطلق عليه الدجل دون خجل ، إذ هو من سخافات بعض الصوفية الذين يؤمنون برؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظةً وينفون موته .
خامساً:
أرجو أن يسدل الستار على هذه المسرحية الهزلية التي تروق لا أحد ويهتم المفتي بمشاكل حقيقية قد ينفع البلد تدخله فيها بدلاً من حالة الصمت الرهيب أمام مشكلات خطيرة قد تعصف بوحدة واستقرار البلد ، ثم نجده يزأر لنفسه بطريقة غريبة ، ولعل هذا هو ردي على من يسأل ما العيب في أن يلجأ إلى القضاء إنصافا لنفسه ؟ أقول لا ضير أن يلجأ حتى إلى المحكمة الجنائية الدولية ، ولكن لا ينبغي له أن يستأسد على من يشاطرونه هموم الدعوة إن كانت همه حقاً ، ويترك من يلوكون في سيرته وسمعته بالسلب والسب ويغض الطرف عنهم ، إلا إذا كان يخشى سطوتهم ونفوذهم الإعلامي ، وله عدواة واضحة مع من يمثل التيار الذي أرق مضطجعه وأذهب النوم من عينه .
فالإعتقاد أنه أفسد الحياة الدينية لا يقل عن الإعتقاد أن فلول الحزب الوطني هم الذين أفسدوا الحياة السياسية ، ومن يطارد هؤلاء حتى لا يعودوا مرة أخرى من خلال قانون الغدر والعزل السياسي ، لا ينبغي له أن يطالب بالعفو والسماح عن المفتي ويتناسى أنه من فلول النظام وإن ارتدى الجبة والقفطان ، لمجرد أن خصمه هم السلفيون ، وأنه ينتمي للتيار العلماني أو الليبرالي ، وعليه أن يخجل من نفسه أولاً قبل أن تخرج منه هذه الترهات.