لا أتصور أن أزمة الشيخين ستنتهي بمجرد تنازل أحدهم عن القضية واعتذار الثاني له ، فلا نحن نريد للأول أن يتنازل عن حقه القانوني ، ولا نريد للثاني أن يعتذر عن خطأ لم يرتكبه ، والقضاء هو الذي سيثبت أيهما كان محقاً والآخر مخطئاً ، وعلى الجميع أن يتقبل الحكم ، ولا ينبغي لأحد أن يظن أن السلفيين قوة خارجة عن القانون تستطيع أن تعبث بأحكام القضاء أو تؤثر على القضاة أو تمنع تنفيذ الأحكام ، وهل منعتهم قوتهم من قبل أن يحولوا بين معتقليهم والسجون ، وهل نفعتهم قوتهم من قبل أن يختاروا جنازة علنية لمن مات منهم من أثر التعذيب وقد أرغموا على الدفن ليلاً وسراً ، ما لكم كيف تحكمون !!
فنحن ندرك جيداُ الواقع الذي نعيشه ونعرف جيداً الضوابط الشرعية التي يجب أن تنضبط بها أقوالنا وأفعالنا ، فلسنا ممن يهدمون الأضرحة والقبور على رؤوس أمواتها رغم أنه منكر كبير لا يدافع عنه إلا مكابر يجري وراء هواه ومصلحته في النذور التي تدفع ، ولسنا ممن يقيمون الحدود الشرعية على من انتهكها رغم الإيمان بأنها جزء لا يتجزء من شرع الله تعالى الذي ارتضاه لخلقه ، فكل هذه الأمور نعلم تماماً أنه منوط بتنفيذها ولي الأمر ، ولسنا ولاة الأمر ولا أوصياء على الخلق ، بل نناديهم أن يركبوا معنا سفينة النجاة كما نادى نوح ابنه " يابني اركب معنا " لأنها لو تركت للعابثين والمخربين والمغرضين لينقروا فيها ، فسنغرق جميعاً.
لكن هذه الأزمة تكشف لنا من جديد ما يضمره الأخرون في صدورهم تجاه التيارات الإسلامية بصفة عامة والسلفية بصفة خاصة ، فهؤلاء الثائرون .. الناقمون .. الحاقدون .. الحاسدون .. الكارهون .. الهائجون لا يطيقون ذرعاً أن يجمعهم بالتيارات الإسلامية أي مكان ، ولا يستطيعون المضي قدما في محاولة فهم أي مشكلة يكون الإسلاميون طرفاً فيها ، بل ولا يرهقون أنفسهم بمعرفة أبعادها وأسبابها وتداعيتها ومن المخطئ ومن المصيب ، جل همهم صب جام غضبهم على الفكر والمضمون الإسلامي ، ويطيب لهم من آن لأخر أن يخترعوا المصطلحات التصنيفية التي يريدون بها تشويههم مثل " السلفية العلمانية " ومثل " خوارج العصر " ومثل " المتشددون " ومثل " الوهابية".
وها هي جريدة الوفد تتحفنا بمقال من العيار الثقيل لا ينبئ عن نجاح جهود التهدئة بين الطرفين ، بل جاء ليصب الزيت على النار ، فيقول : (تعكف دار الافتاء المصرية لاصدار مجموعة من البيانات ربما يتضمنها كتاب عن فساد فكر جماعات السلف التي بدأ خروجها للأمة في القرنين الماضيين وتكشف البيانات عن عيوب في التفكير «السلفي» علي خلاف نصوص القرآن الكريم والسنة الصحيحة وترويج المفاسد العقلية والنقلية.وبدأت الافتاء في اعداد البيانات بعد تزايد الهجوم علي الأزهر الشريف ومؤسسة دار الافتاء والتطاول علي فضيلة مفتي الجمهورية الامام علي جمعة وشيخ الأزهر الامام أحمد الطيب. وقالت مصادر في الأزهر الشريف ودار الافتاء ان جماعات السلف هم خوارج هذا العصر الذين خرجوا عن السنة والشيعة معا، وأضافت المصادر ان جماعات من السلفيين تسيء الي السلف الصالح يذكر أن جماعات السلف تمت في مصر بفعل الفضائيات الدينية الوهابية التي تبث بعيدا عن اشراف مؤسسة الأزهر. وكانت الفضائيات الدينية هي التى أفرزت الشيخ «اسحق الحويني» تلميذ الشيخ «الألباني» الذي وصفه فضيلة المفتي بأنه بـ «يعجن» في علم الحديث وكان يروج لعدم الأخذ بالحديث الضعيف علي عكس ما قال به أئمة السلف.وسادت حالة من الضيق في أروقة الأزهر الشريف جامعا وجامعة بعد تطاول الداعية الوهابي «أبو اسحق الحويني» علي فضيلة الامام علي جمعة بألفاظ نابية وخرج علي آداب الحوار.وتقوم وزارة الأوقاف بطبع كتاب «السلف والسلفية» الذي يكشف فساد فكر أغلب هذه الجماعات)فمن هو الذي يسيء الأدب الآن مع العلماء ، إذا كان مفتي الفلول يرى أن الألباني يعجن في الحديث ، ومن هو إذن الذي يحتاج إلى تهذيب عباراته وأن يتحرى الدقة جيداً وهو يتحدث عن رجل في حجم الألباني ، هل يضيع علم الرجل وهو الذي أفنى حياته في الذب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، لمجرد أنه يصفي العقيدة مما خالطها من شوائب شركية ، يهيم فيها شوقاً عشاق الأضرحة وعباد القبور والمتوسلون بغير الله تعالى ، هل يعجن الألباني وهو الذي شهد له القاصي والداني أنه الإمام والعالم الرباني ومحدث العصر وناصر السنة وقامع البدعة ، في الوقت الذي يفَتي بفتح الفاء علي جمعة ويقول بشرب بول النبي وأن تدليك المرأة الأجنبية للرجل حلال ، ويجعلنا أضحوكة بين الناس ومثاراً للسخرية وتنكيتات العلمانيين والليبراليين وغيرهم.يتهموننا بأننا ضد الأزهر والإفتاء لأنهم من الأشاعرة والماتدرية ، لذلك كانت الوقفات تنادي بعزل وإقالة شيخ الأزهر والمفتي .بل محض افتراء وتقليل من شأن الخلاف ليس من الإنصاف ، فهل حرقنا كتب أئمتنا ابن حجر والنووي وغيرهما ممن أثروا المكتبة الإسلامية بأضخم وأنفع الكتب والموسوعات العلمية ، لمجرد أنهم أشاعرة ، كل ما هنالك أننا نأخذ منهم ونترك كما قال الإمام مالك .
الخلاف يا سادة مع الأزهر والمفتي ، أنهما يتصوران أن لهم كل الحق في توجيه التهم وتلفيقها للمخالفين لهم ، ولايتسع صدرهم للرأي الذي ينتقدهم ، لا يتورعان في تجييش الأراء والأفكار والصحف والمجلات لكي يهاجموا السلفية على وجه الخصوص ، ولا تأتيهم الجرأة لينظروا أولا إلى أنفسهم ولا ستر عوراتهم العلمية.وليس الحل الآن هو تهدئة الأوضاع أو هدنة بين الأطراف ، فلم تعد هذه المسكنات مجدية مع الجراح العميقة ، بل لا بد من حل جذري ينصلح معه المؤسسة الدينية ولا يجعلها عرضة للإتهامات من هنا وهناك لاسيما في ظل المجاملات الرسمية من المؤسسة الدينية لمؤسسة الرئاسة ومحاولة كسب ودها بأي طريقة ولو حساب كرامة وهيبة المؤسسة الدينية ، وما وفاة حفيد مبارك ببعيد ، ووصلة المجاملة السافرة التي تصل إلى حد الهذيان ، وهو يصف حالة الجنازة بأنه لم ير مثلها من قبل ، ناهيك عن إعجابه الشديد بحالة السكينة والوقار ، ثم جزم بأن الطفل من أهل الجنة وأنه ملاك ، وهناك من رفض الإستجابة لتلميحات وتصريحات من طالبه بالإستقالة لما كان عضواً في لجنة السياسات بعد أن أصبح أعلى سلطة دينية لكن لما قال له مبارك استقيل رضخ على الفور.كل هذا يعني أن المؤسسة الدينية لابد أن تتخلص من تبعية الدولة ويكون قرارها في يدها ولن يحدث هذا إلا إذا كان هناك مجلساً دينياً يضم كل الخبرات والكفاءات الدينية وهم الذين يرشحون ويختارون بالإنتخاب والتصويت المناصب الدينية.
أقول هذا حتى تعود المؤسسة الدينية قوية وعزيزة ويتم تطهيرها من شيوخ عيد الميلاد ، واستبدالهم بمن يريد الهداية والصلاح للعباد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق