
ليست اللحية هي المعركة التي نحب الجدال فيها مع وزارة الداخلية ، فهناك أمور داخلها مثل هيكلة الوزارة إدارياً ، وجودة مستوى الخدمات الشرطية المقدمة للجمهور، وتحديث وسائل العمل الشرطي لمواكبة التغيرات الحديثة ، وتأهيل رجال الشرطة نفسياً وأخلاقياً بما يضمن حُسن العلاقة بينه وبين الشعب ، من الأهمية بمكان بحيث يجب أن تنشغل بها الإدارات المعنية داخل وزارة الداخلية أو حتى تهتم بمطاردة من (أطلق) الرصاص على المتظاهرين وقتلهم بدم بارد، بدلاً من إنشغالها بمن (أطلق) لحيته من رجالها ومطاردتهم ومحاربتهم بشكل مأسوف عليه ، ومن ثم خلق مشكلة جديدة للشارع المصري المهيئ أصلاً لأي فتنة تثار.
وربما كان السؤال الأكثر تداولاً والأسرع إنتشاراً ، هل يحق لرجال الشرطة إطلاق لحيتهم إقتداء بسنّة المصطفى عليه الصلاة والسلام ؟
هذا هو السؤال الذي اختلف فيه المصريون ، وجاءت الإجابة من عامة الناس أنه حق شخصي لهم يكفله لهم الدستور والقانون ، وأجابهم المتدينون أنها سنّة للنبي عليه الصلاة والسلام من حقهم أن يقتدوا به ، وفاجأ وزير الداخلية الجميع أنه سيحيل الضابط الملتحي إلى مجلس تفتيش وتأديب ، ثم جاءت المفاجأة الأكبر من مفتي الجمهورية (الأزهري) صادمة للجميع وتبيح للوزير فعلته.
ولقد تعلمنا عند الإختلاف فيما بيننا أن نعود سريعاً إلى كلام النبي عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى ، هكذا قال لنا القرآن الكريم : " فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" [النساء:59]
واللحية ياسادة ليست مشكلة نووية ولا ذرية، حتى نحتار فيها كل هذه الحيرة ، بل هي فطرة (خلقة) فطر الناس عليها ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : « عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ - ثم ذكر - وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ » [صحيح مسلم] ، وحين تكون اللحية من خلقة الله تعالى التي خلق عليها الرجال ، كان حلقها من تغيير خلق الله ، وهو ما توعد به الشيطان في غوايته للبشر ، قال القرآن الكريم حاكياً عنه : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) [النساء:119] ، ورحم الله تعالى إمام المحدثين المعاصرين الشيخ الألباني حين علّق على هذا الحديث في تخريج كتاب رياض الصالحين فقال : " وفي كون الإعفاء من الفطرة رد صريح على بعض الشيوخ المنحرفين الذين يحلقون لحاهم ويزعمون أن الإعفاء عادة وليس بعبادة : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) "
بالإضافة إلى ذلك فإن اللحية أمر نبوي صريح صحيح لا يجادل فيه إلا من كان الجدال والمراء صنعته ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ " [صحيح مسلم] ، ولو كان الأمر عادة كما يزعم وزير الداخلية لما كان هناك حاجة لأمر النبي عليه الصلاة والسلام إذ أنه عادة القوم ولا يحتاجون فيه للنصح والتوجيه ، لكنه لما كان أمراً تعبدياً جاء الأمر النبوي.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير اللحية ، فعن سماك أنه سمع جابر بن سمرة يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " َكَانَ كَثِيرَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ" [صحيح مسلم].
فيا وزير الداخلية المصري :
ما الذي يضيرك من لحية ضباطك ؟
أليس هناك في وزارتك أمور أخرى تنشغل بها غير هذا ؟
لماذا لا تكن أنت صاحب هذا السبق التاريخي الذي ستجني من وراءه حسنات مجهولة الصاحب أمام ذنوب وسيئات ارتكبها ضباطك وجنودك في حق الشعب مختفيين وراء زيهم العسكري.
لماذا تزهد في هذا الخير العظيم الذي ساقه الله تعالى إليك ؟
وإلى ضباط مصر وجنودها الشرفاء الذين اقتديتم بسنة نبيكم عليه الصلاة والسلام :
أذكركم - وأنتم لا شك تعرفونها جيداً - لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولا تغيروا فطرة الله تعالى التي فطركم عليها ، ولا تطيعوا أحدا كائنا من كان طالما يخالف أمر النبي عليه الصلاة والسلام ، لا تبيعوا الدين بثمن بخس .
كلا لا تطعه !!