
بعض الناس تظن أن الأغنياء لابد وأن تلاحقهم الشبهات ، وتلهث ورائهم الشائعات ، بل هم أنفسهم ـ أي الأغنياء ـ يخجلون من غناهم لئلا يظن الناس بهم ظن السوء.
والحقيقة التي لا مراء فيها أن توسعة الرزق قدر من الله تعالى يصرفه إلى بعض خلقه ، ولا حق لبشر أن يعترض على تقدير الله تعالى وأنه جعل فلاناً غنياً وأخر فقيراً ، فذلك حكمة الله تعالى قد لا يفهمها كثير من الناس ، لكن الله تعالى يعلم ونحن لا نعلم .
والثراء لا عيب فيه إلا إذا جاء من طريق محرّم وقتئذ يكون وبالاً على صاحبه ، فبعض الناس لا يبالون من أي طريق يجمعون ثروتهم ، بعض الناس لا يخجلون من أرصدتهم الربوية ، بعض الناس لا يرون عيباً في استحلال أموال الغير وأكلها بالباطل وبالنصب والسرقة والإختلاس ، فهؤلاء القوم قد كتب الله تعالى لهم الثراء لكنهم استعجلوه فتحول إلى نقمة بسوء فعله.
أم الغني الذي جاءت أمواله من الكد والتعب والعمل الشريف المباح شرعاً فلا يعيبه ذلك بل يشرفه أن الله تعالى قد اختاره لكي يوسع على الفقراء ويسد دين المدنيين ويعطي المحتاجين ولا يرد السائلين ، وهنيئاً له ما أعده الله تعالى له ، قَالَ الله تَعَالَى: { فَأَمَّا مَنْ أعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسْرَى } [ الليل : 5-7 ] ، وقال تَعَالَى : { وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى } [ الليل : 17-21 ] ، وقال تَعَالَى : { إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِي وَإنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفُقراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [ البقرة : 271 ] ، وقال تَعَالَى : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ } [ آل عمران : 92 ] والآيات في فضلِ الإنفاقِ في الطاعاتِ كثيرة معلومة .
وعن عبدِ الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لاَ حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً ، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لاَ حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ مَالاً ، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ فُقَراءَ المُهَاجِرينَ أتَوْا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالُوا : ذَهَبَ أهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَى ، وَالنَّعِيم المُقيم ، فَقَالَ : (( وَمَا ذَاك ؟)) فَقَالوا : يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلاَ نَتَصَدَّقُ ، وَيَعْتِقُونَ وَلاَ نَعْتِقُ ، فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئاً تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ ، وَلاَ يَكُونُ أحَدٌ أفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ ؟ )) قالوا : بَلَى يَا رسول الله ، قَالَ : (( تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمِدُونَ ، دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ مَرَّةً )) فَرَجَعَ فُقَرَاء المُهَاجِرِينَ إِلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا : سَمِعَ إخْوَانُنَا أهلُ الأمْوالِ بِمَا فَعَلْنَا ، فَفَعَلُوا مِثلَهُ ؟ فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
فاحرص على كسب مالك من عمل مشروع ونشاطه مباح وانفق في سبيل الله تعالى على أهلك واقاربك والمحتاجين والفقراء واكفل الأيتام وادفع فواتير علاج المرضى وسدد مصاريف تعليم الفقراء ، واكتشف بنفسك السعادة الحقيقة حين تبذل مالك في سبيل مرضاة الله تعالى فما نقص مال من صدقة ، واحرص على إخراج زكاتك في فموعدها ، يكن مالك طريقك إلى الجنة

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق