لقد أطلق مصطلح السلطة الرابعة ، على الإعلام لإبراز الدور المؤثر لوسائله المتنوعة ليس في تعميم المعرفة والتوعية فحسب، بل في تشكيل الرأي، وتوجيه الرأي العام، وخلق القضايا، وتمثيل الحكومة لدى الشعب، وتمثيل الشعب لدى الحكومة.
لكنه ولأسباب عديدة مثل التجارة بالقضايا والاهتمام بالربح التجاري على حساب المواقف الوطنية تحول إلى طابور خامس بين الشعب يبث الفتنة بين الحكومة والمواطنين ، ويشغلهم بتوافه الأمور ، ويضخمها ، ويترك عظائم القضايا ويهمشها ، ويلعب دور المحلل الشرعي بين النظام السابق وبين الشعب .
حقيقة لم أعد قادراً على مشاهدة القنوات الفضائية ، لم أعد احتمل سماع هؤلاء الكائنات التي يطلقون على أنفسهم اسم الإعلاميين ، لقد وصلت إلى مرحلة متأخرة من الإكتئاب التلفزيوني ولم يعد لدي فرصة في النجاة بسبب النخبة الإعلامية والصفوة التلفزيونية .
إن الأمور في مصر تتفاقم يوماً بعد يوم ، بفعل هؤلاء الكائنات الإعلامية التي تنمو جراثيمها وتتكاثر في برامج التوك شو ، فلا يوجد لغة حوار راقية ، لا توجد كلمات محترمة متبادلة ، لا تشعر بتقارب نفسي بين المتحدثين ، لا تعرف متى سينتهي هذا التشنج العصبي بين المتحاورين.
لقد أصبحت قلة الأدب هي السمة الغالبة على برامجهم ، ورغبتهم الأكيدة في بث الفتنة ونشر الأكاذيب مؤكدة .
لا يتوانون لحظة في استغلال أي حدث ولو في الأرجنتين لكي يتحمل نتائجه مرسي وإخوانه ، لا يخجلون من فواصل الردح التي تقيمها أم جميل في قنوات الفلول ، ولا يستحي هؤلاء الدجالون في قنوات النهار وONTV وCBC , من ممارسة الشعوذة السياسية أمام الناس ، رغم أنهم يتمتعون بثقل دم لا يطاق ، وتشمأز الأنفس من نكاتهم وسخرياتهم وموضوعاتهم المصطنعة لشغل أوقات البث ، حتى الصحف والمجلات التي يرأسون تحريرها يواصلون فيها سفهاتهم والتفاهات .
يمارسون اسوأ انواع البلطجة الإعلامية التي تبيح لهم أن يفعلوا ما يشاءون كيفما يشاءون وقتما يشاءون ، فعدم رضاء الناس عن أي شيء ، والمظاهرات الفئوية والاعتصامات اليومية ، والناس ، هي نتاج هذه الكوكبة الإعلامية المريضة ، التي لاتحتاج إلى فضائيات تظهر عليها بقدر احتياجها إلى مصحات نفسية تعالج خللهم العقلي.
لذا فإن مقاطعة هذه البرامج حتى يهرب المعلنون منها ، وينكشف أمرهم أمام أصحاب هذه الدكاكين الفضائية فيستغنون عن خدماتهم السيئة هو أمر واجب على كل ذي عقل.
ولمن مات ضميره منهم ، ولمن فقد شرفه المهني فيهم ، ولمن استحل كشف سوأته الإعلامية ، أذكره أن كل هذا النفاق لن ينفع ولن يجدي في أمر قد كتبه الله عز وجل ، ولو ظلت قنواتكم تشرشح ليل نهار ، ما غير ذلك من أقدار الله شيئاً.
بقي أن تعرف أنك ستلقي وبال ما قلت ، وتذوق مرارة ما فعلت ، وتندم على ما كتبت ، يوم لا ينفع الندم ، ففي حديث أبي هريرة المتفق عليه: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات ،وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوى بها في جهنم)) .
فبالكلمة تخرج من الدين وتهوي في حفرة الكفر ،فالإنكار والجهود والاستهزاء بدين الله ، والسب لله ولرسوله والتنقص للدين والتصريح بأفضلية النظم الوضعية والشرائع الأرضية ، بل العناد في أمر تطبيق الشريعة والتصريح برفضها ، كلها سيئات كفرية تتعلق بالكلمة.
وأذية الخلق بالكلام والكذب عليهم وتشويه سمعتهم وتلويث شرفهم من أجل منافسة سياسية أو مناصب زائلة يتنافى مع ما رواه أبو موسى رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: ((من سلم المسلمون من لسانه ويده)) [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) [متفق عليه من حديث أبي هريرة].
وفي البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي ((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)) .
وفي بيان خطر الكلمة على المرء ما لم يضبطه ،يخاطب عليه الصلاة والسلام ثلاثة من أصحابه وهم سفيان بن عبد الله الثقفي ، وعقبة بن عامر ،ومعاذ بن جبل ، فيقول لسفيان حين سأله - يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به ،قال: ((قل ربي الله ثم استقم ،قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: هذا)) ، وقال عقبة بن عامر: يا رسول الله ما النجاة؟
قال: ((أمسك عليك لسان وليسعك بيتك وابك على خطيئتك)).
فمتى ستبكون على خطيئاتكم يا أهل الإعلام .. ؟
متى ستندمون على إعلامكم الرخيص .. متي ستفيقون من غفلتكم ؟
عسى أن يكون قريباً !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق