الاسلام سؤال وجواب

الثلاثاء، 27 يوليو 2010

ودائع البنوك .. ما هي حقيقتها ؟ وما هو حكمها ؟

بعض الناس ممن رزقهم الله عز وجل بمال وفير فاض عن حاجاتهم ، وليس لديهم وقت لكي ينشغلوا بإستثماره ، فكروا ثم قرروا أن يضعوا أموالهم في البنوك كوديعة مضمونة تدر عليهم دخلاً حسب المدة التي اختاروها ، ولا يلجأ بعضهم إلى الإيداع في البنوك الربوية ، وأخذ الفائدة ، إلاَّ من جهل الحكم بحرمة هذا التصرف ، أو من غلبت عليه دنياه وفضلها على الآخرة ، فإن هذا الإيداع الربوي محرم تحريما عظيما .
ولمناقشة هذا الموضوع ينبغي أن نطرح بعض الأسئلة حتى تكون مدخلاً له:

1. ما هي الوديعة البنكية ؟

2. وما حكمها ؟

3. ماذا يفعل من علم بحرمتها ؟

4. كيف نتصرف في المال الذي أضيف إلى أصل الوديعة ؟

تعريف الوديعة :

نقرأ كثيراً عن كلمة الوداع ، وهي الفراق ، وودع صاحبه أي فارقه وتركه ، وجاءت الوديعة من ودع الشيء إذا تركه , سميت بذلك لأنها متروكة عند المودع.

وهي شرعاً : اسم للمال المودع عند من يحفظه بلا عوض.

والوديعة أي كان نوعها إذا تركتها عند من استأمنته عليها ، فهو بين خيارين إما أن يقبل حفظها لقدرته على ذلك ، وله أن يمتنع عن الاحتفاظ بها إذا رأى في نفسه عدم القدرة على ذلك .

فإذا قبل من استأمنته على الوديعة ، فحافظ عليها ، فلا يحق له أن يأخذ أجرة على ذلك ، فإن تلفت أو فقدت دون تقصير منه فلا يحق مطالبته بها وتعويض صاحب الوديعة عنها ، لكن لو قصر وفرط فيها لزمه التعويض .

وليس على من احتفظ بالوديعة أمانة عنده أن يستغلها أو يتصرف فيها أو يستثمرها دون علم صاحبها .

واضرب مثالاً لتتضح الفكرة :

افرض أن صاحبك جاءك بسيارته وقال لك أنه سيضعها أمام بيتك لحين روجوعه من السفر كأمانة عندك ، فوافقت لأنك رأيت أنك قادر على ذلك ، فقمت بتغطيتها ، فقام بعض الأطفال وعبثوا بها أو صدمتها سيارة مسرعة وهي قابعة أمام منزلك، هنا لا شيء عليك ، ولكن لو أنك استغللت هذه الفرصة وقمت بالتنزه بها وقضاء أمورك الخاصة ، فأتلفتها يجب عليك حيئذ أن تصلح ما أفسدته لأنك لم تكن أميناً على مال صاحبك بالقدر الكافي وقصرت وفرطت في الحفاظ عليها.

ونعود لموضوع وديعة البنك :

المال الذي توفر لديك وأودعته في البنك ، هل ينطبق عليه تعريف الوديعة السابق وأحكامها ، لا أعتقد ذلك ، فأنت حين تودع المال في البنك ، ما أودعته لكي تحافظ عليه بل لكي تحصل على فوائد من وراءه ، أي أنك أقرضت البنك وحصلت على ربح الربوي منه ، والبنك الذي يقبل هذه الوديعة هل يضعها في صناديق خاصة بها ويحتفظ بأرقام ورقها البنكنوت أمانة ليده حتى تعود وتستردها ، أم أنه يحصل منك على المال ثم ما يلبث أن يستثمرها ويستخدمها في القروض الربوية أو المشاريع المحرمة شرعاً أو حتى المباحة .

إذن تسمية الوديعة البنكية تسمية خاطئة لغة وشرعاً ، لأنك تحصل على وديعتك مضافة إليها ما أعطاك البنك من فوائد ، والبنك يرد الوديعة إليك مضافة إليها ما أعطاك من فوائد ، والوديعة يجب أن تودع لدع المودع ويستردها دون زيادة أو نقصان.

لكن بعض الناس قد يسأل إذا أودعت مالي عند شخص فاستثمره دون علمي هل أشاركه في ربحه ، وأنت في هذه الحالة بين أمرين أن تقبل منه مالك دون زيادة أو نقصان ، والثاني أن تشاركه في ربحه إذا علمت بمشروعية تجارته واتفقتما على ذلك .

وقد يستغل البعض هذه الفرصة ، ويسأل إذا قبلت من المودع ربحاً نظير استثماره لمالي ، فما الذي يمنع أن أحصل عليه من البنك كفوائد على الوديعة ؟

سؤال جميل !!!

اتفقنا من قبل على أن الوديعة هي ما يترك عند الغير لحفظه ، دون أن يتصرف فيه ، وهذا ينطبق على ما يسمى بصندوق الأمانات الذي يوجد في الفنادق وغيرها ، وربما وجد في بعض البنوك .

وأما يسمى بودائع البنوك ، فتخرج تماماً عن هذا المفهوم ؛ لأن البنك لم يحتفظ بوديعتك دون أن يصرف بها ، بل استغلها ، وهنا أصبحت هذه المعاملة البنكية معاملة جديدة تختلف عن اسم الوديعة ، يمكن أن يطلق عليها عملية استثمارية وحتى تقبل المال الذي ستربحه من وراء وديعتك لابد أن يتوافر شروط هي :

1. أن يكون البنك الذي تتعامل معه إسلامياً ، لوجود هيئة رقابة شرعية تقرأ وتراجع المشاريع المزمع تنفيذها عن طريق البنك من الناحية الشرعية ، وتكفيك بذلك مؤنة البحث عن الحل والحرمة.

2. أن يكون العقد بينك وبين البنك الإسلامي عقد مضاربة فيقوم البنك باستثمار مالك في مشاريع مباحة ، مقابل نسبة معلومة من الربح.

3. لا يلتزم البنك الإسلامي برد رأس المال في حال خسارته ، ما لم يحصل منه تقصير ويكون هو السبب في الخسارة ، ومن تعريف الوديعة قلنا أنها غير مضمونة لأنه إذا كان المال مضموناً ، فهذا عقد قرض وليس مضاربة وفوائده تعتبر رباً . كأن يودع العميل 100 مثلا ، ليحصل على فائدة قدرها 10 ، مع ضمان المائة ، وهذا قرض ربوي ، وهو المعمول به في أكثر البنوك ، وقد يسمى وديعة ، أو شهادة استثمار ، أو دفتر توفير ، وقد توزع الفوائد دوريا ، أو بالقرعة ، كما في شهادات الاستثمار من الفئة (ج) ، وكل ذلك محرم .

4. أن يكون نصيبك من ربح هذا العقد محددا متفقاً عليه من البداية ، كنسبة من الربح وليس من رأس المال . ولا يصح العقد إن كان الربح مجهولاً غير محدد ، وقد نص الفقهاء على أن المضاربة تفسد في حال جهالة نسبة الربح.

وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ما يلي :
" أولاً :

الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) سواء أكانت لدى البنوك الإسلامية أو البنوك الربوية هي قروض بالمنظور الفقهي ، حيث إن المصرف المتسلم لهذه الودائع يده يد ضمان لها ، هو ملزم شرعا بالرد عند الطلب .
ولا يؤثر على حكم القرض كون البنك (المقترض) .

ثانياً :

إن الودائع المصرفية تنقسم إلى نوعين بحسب واقع التعامل المصرفي :
أ‌- الودائع التي تدفع لها فوائد ، كما هو الحال في البنوك الربوية ، هي قروض ربوية محرمة ، سواء أكانت من نوع الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) ، أم الودائع لأجل ، أم الودائع بإشعار ، أم حسابات التوفير .
ب‌- الودائع التي تسلم للبنوك الملتزمة فعليا بأحكام الشريعة الإسلامية بعقد استثمار على حصة من الربح هي رأس مال مضاربة ، وتنطبق عليها أحكام المضاربة (القراض) في الفقه الإسلامي التي منها عدم جواز ضمان المضارب ( البنك ) لرأس مال المضاربة " انتهى من "مجلة مجمع الفقه" عدد 9 جزء 1 صفحة (931) .

ومما سبق يتبين لك أنك لا تستطيع إيداع المال في البنك الربوي لأنه يستفيد من هذا المال ويتقوى به على أنشطته المحرمة ، إلا إذا كان العميل محتاجاً لحفظ ماله في البنك ، ولا يجد بنكاً إسلامياً يحفظ فيه ماله ، فلا حرج عليه من حفظه في بنك ربوي ، وما ترتب على هذا الإيداع من فوائد ينبغي عليك ألاّ تستعملها أو تصرفها لأنها ربا روى مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ . وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية ) رواه أحمد والطبراني ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3375.

وقد جاء في "موسوعة فتاوى الأزهر" ، فتوى للشيح جاد الحق شيخ الأزهر السابق رحمه الله ، فيما نحن بصدده ، نوردها للفائدة .

السؤال " السائل أهديت له شهادات استثمار من الفئة (ب) ذات العائد الجارى من والده بمناسبة زواجه وهى في حوزته إلى الآن ، وقد استحق صرفها حاليا ولها أرباح عن فترة حيازته لها ، والسؤال : هل هي حلال بأرباحها ، علما بأن قيمتها الشرائية الآن مع أرباحها أقل من قيمتها وقت الإهداء والشراء ؟

فأجاب :
" اصطلح فقهاء الشريعة على أن ربا الزيادة هو زيادة مال بلا مقابل في معاوضة مال بمال .
وقد حرم الله الربا بالآيات الكثيرة في القرآن الكريم .
وكان آخرها نزولا على ما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما قول الله سبحانه وتعالى ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم ) البقرة /275 -276 ، وحرمه كذلك بما ورد في الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما ، عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى فيه سواء) .
ولما كان مقتضى هذه النصوص أن الربا يدخل فيه كل زيادة على المال المقترض أو المودع بالشرط والتحديد بلا مقابل، وقد أجمع المسلمون على تحريمه إعمالا لنصوص القرآن والسنة الشريفة .
ولما كانت شهادات الاستثمار من الفئة (ب) ذات فائدة محددة مشروطة مقدما زمنا ومقدارا، كانت داخلة في ربا الزيادة المحرم شرعا بمقتضى تلك النصوص، باعتباره قرضا بفائدة مشروطة مقدما زمنا ومقدارا .

فكيف تتصرف في هذا المال الربوي الناتج عن وديعتك يا من أودعت في البنوك الربوية ، إضطراراً أو جهلاً بالحكم ؟
1. لا تتركه في البنك فيتعاظم ربحه وتتقوى نتائجه منك ومن غيرك .
2. لا تنفقه على نفسك وبيتك فهو ربا محرم.
3. تنفقه في المنافع العامة للمسلمين.
والله ولي التوفيق .

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

بارك الله فيك
ياسر حسين

شارة فيسبوك

post

احدث مواضيعنا

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة