ما كانت السلفية حديثاً يُفترى ، أو بدعاً من القول وزوراً ، لكي يمتطي كل من هب ودب جواد النقد ويشهر سيف الهجوم عليها ، فالسلفية يا حضرات هي الفترة الزمنية الفريدة في تاريخ الإسلام ، التي ترعرع فيها أصحابها من الذين تلقوا الوحيين (الكتاب والسنة) غضاً طرياً ، وليس مخطئاً كل من يريد السير على خطاهم ، وليس مذنباً كل من اقتفى أثرهم ، وكيف يخطئون أو يذنبون وقد قال الله عز وجل فيهم وفي من اتبعهم : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100] ، ومدحهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (خيرُ الناسِ قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) كما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
وهذا الذي ذُكر أنفاً يستلزم منّا كأتباع - وليس أصحاب - للمنهج السلفي أن نعي جيداً أصول هذا المنهج وقواعده وكلياته ، فيسهل معه الفهم العميق للمتغيرات المتلاحقة هذه الأيام ، لأن المنهج السلفي في هذه المرحلة يتعرض لحملة شعواء من الداخل والخارج ، من السلفيين أنفسهم ، ومن الأخرين ، في وقت اشتد فيه الحديث عن تجديد الخطاب الديني وعلا صوته بشكل ملحوظ.
فبعض السلفيين للأسف يشوهون الصورة الحضارية لهذا الفكر المعصوم ، فيطعن الناس في المنهج السلفي ويشككون فيه بسبب هؤلاء المتسلفيين.
وبعض السلفيين أهانوا السلف الصالح بتقدسيهم للمشايخ والعلماء والمولاة والمحاباة عليهم.
وبعض مراهقي السلفية يحفظون ولا يفهمون ، ويتعلمون ثم يتفلسفون ، فيتحدثون في أمور جسام مستدلين بفتاوى معينة لعلماء أجلاء قيلت في مناسبات خاصة، وبعض السلفيين السلفية عندهم الشيخ (فلان) أو الشيخ (علان) مع كامل احترامي لهؤلاء الشيوخ ، ومع كامل اعتراضي على هؤلاء الذين حمّلوهم ما لا طاقة لهم به.
وبعض هؤلاء السلفيين نصبّوا أنفسهم متحدثيين رسميين بإسم السلفية ، وكل من خالفهم ليس بسلفي، وكل من عارضهم وكأنه يطعن في الدين.
ولم تكد السلفية تسلم من هؤلاء إذ بها تقع في شراك من يتعدى عليها من غيرهم فتجد منهم من يقول أن السلفية مدرسة بلا إرث أو مشروع سياسي ، وهي مدرسة صِدامية وعالية الصوت في ميدان العقيدة والعبادة، إلا أنها خرساء وخانعة في ميدان السياسة والحكم، مدرسة ترفع راية الخلفاء الراشدين وتطبق منهج الأمويين والعباسيين والعثمانيين في مجال السياسة.