
يخطئ من يظن أن الشيخ صلاح أبو إسماعيل هبط علينا من السماء ليصلح حال البلاد التي إنحرف مسارها كثيراً عن منهج الله تبارك وتعالى ، ويخطئ من يهاجم د. عبدالمنعم أبو الفتوح و د. سليم العوا لمجرد أنهما يقفان في مواجهة الشيخ أبو إسماعيل ، يخطئ من يظن أن الحل الجذري لمصر هو تعيين رئيس جديد وحسب ، يخطئ من يظن كل هذا ويخرج نفسه من دائرة الحلول فالموضوع أكبر من ذلك بكثير ، إنها حكاية شعب تحرر ولم يتغير !!
حكاية شعب فقير كان يعيش في سجن مقيد للحريات قامع للحقوق طارد للعلم ، حكاية شعب كان يعيش في ظل نظام بوليسي تحكمه عصابة من اللصوص وليس أدل على ما أقول ، سوى وجود نظام سياسي كامل خلف الأسوار الحديدية مقبل بالقيود غُيب في غياهب السجون ، فلما منّ الله عز وجل علينا بإزاحة هذا الطاغوت الذي حكمنا لثلاثين عاماً ، وجدنا الشعب في حالة هيستيريا سياسية ، وجنون حرية ، وسعار ديمقراطية ، وأصبح أسهل شيء هو أن تتهم الآخر الذي يخالفك بالخيانة والعمالة بل والسفالة ؟
وأخشى ما أخشاه أن نكون مثل قوم موسى عليه السلام قال تعالى : (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) ، لكن انظر ماذا فعلوا بعد ذلك ( فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ) فانظر ماذا فعل الله عز وجل بهم ( فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ) الآيات من سورة الأعراف .
أرأيت انتقام الله عز وجل لهم ، فبعد أن نجاهم من فرعون وجنوده ( وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ) فبعد أن نجاهم من الظلمة ، حذرهم من فرعون وآله ومن كانوا على منهجه في الظلم والكفر من رجال حكمه وأفراد شرطه وجيوشه الذين كانوا ( يسومونكم سوء العذاب . يقتلون أبناءكم ) حتى لا تكثروا ، ( ويستحيون نساءكم ) للامتهان والخدمة ، وفي هذا التعذيب والإِنجاء منه { بلاء من ربكم عظيم } يتطلب شكركم لا كفركم ، فيكف تريدون أن تعبدوا غيره ، وتشركوا به أصناماً لا تنفع ولا تضر ، إن أمركم لجد مستغرب وعجب فاتقوا الله وتوبوا إليه .
وهذا ما يحدث لنا الآن ، فبعد أن نجانا الله تعالى من مبارك وآله ونظامه ، وجدنا الشعب قد انقسم إلى معسكرات ، معسكر الليبرالية ويمثله البرادعي وعمرو موسى وأيمن نور، ومعسكر الناصرية ويمثله حمدين صباحي ومعسكر الإسلاميين ويمثله العوا وأبو الفتوح وأبو إسماعيل ، وربما تسمع كلاماً جميلاً من المرشحين ، وتسمع كلاماً عجاباً من المعجبين .
وبدأت الحرب الإعلامية من كل الأطراف ومن كل المرشحين وليس هناك خطوط حمراء على مايبدو ، فقد اتهم البرادعي في شرفه وولائه ، ثم تبين للجميع كذب هذه الإفتراءات ، واتهم عمرو موسى بولائه للنظام السابق وأنه بوق من أبواقه ، ولم يسلم المرشحين الإسلاميين من هذه التهم والأكاذيب فقد وصلت أيادي إعلام ساويرس المرئي والمقروء التي تحتاج إلى القطع لكل مرشح إسلامي .
ووصلت هذه الحرب الإعلامية ليكون أطرافها المرشحين الإسلاميين أنفسهم ، فهناك حالة من النشاز في هذه الحملة ، الكل يريد أن ينجح مرشحه على حساب الآخرين ، ولو بتشويه صورة الآخر ، ومن أسخف ما قرأت هو إتهام الدكتور العوا بالتشيع لمجرد أنه يحاول أن يقرب بين السنة والشيعة ، فسنية العوا ليست محل نقاش ، لكن الرجل بشر كغيره من المرشحين يخطئ ويصيب ، وقد يتساهل بعض الشيء في بعض الأمور تنظر أنت وأنا لها نظرة خاصة ، وينظر هو لها نظرة عامة ، ومن هذه العمومية أن من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو مسلم وليس من حق أحد أن يخرجه من دائرة الإسلام ، وهو كلام رصين يخرج من استاذ قانون وليس من رجل علم يقيد هذه العمومية بما يخصها من نواقض للإيمان ، لكن العوا انشغل بالعلاقة بين السنة والشيعة التي شغلت بال كثيرين من المتدينين والمثقفين والسياسيين وكذلك المعنيين بمسائل الأمن القومى لمنطقة الشرق الأوسط التى غالب أهلها مسلمون من السنة ومن الشيعة ، فتناول في كتابه " العلاقة بين السنة والشيعة " مسألة أصول العلاقة بين السنة والشيعة اتفاقا واختلافا , ثم يترك لأهل الاختصاص فى كل جانب من جوانب الدين والسياسة , والاقتصاد والامن وغيرها , أن يوظف معرفته بهذا الاصل فى مجال اختصاصه وعلاقاته واهتمامه ونشاطه، وليس هذا دليل اتهام له بالتشيع ، بل كما قولت آنفاً أنه تساهل من أجل مصلحة عامة سنجني ثمارها من التحالف الإقتصادي والسياسي والعسكري مع إيران والثقافي مع تركيا، ولا أريد أن يخرج علي من يقول وهل نقبل بتساهل في العقيدة مع من يسب الصحابة ويزعم أن القرآن محرف ، وغير ذلك من هذه التهم التي تخرج من عباءة الآيات والمرجعيات الشيعية ، فلا أحد يقبل هذا ، ولكن لا ينبغي أن تستباح الشخصيات المحسوبة على التيار الإسلامي من بعضها البعض ، لمجرد أنه يتحدث في الموضوع بصفة عامة ، فهناك كلام للعوا بتكفير من يقول أن القرآن محرف وناقص ، الأمر يحتاج إلى متخصصين لقراءة ودراسة ما يقول ثم تحليلها تحليلا شرعياً ينبه فيه إلى ما أخطئ فيه - إن كان هناك ثمة خطأ - ولكن حتى يأتي هذا اليوم ينبغي أن يسود بيننا الحب والاحترام ونضرب المثال العملي فيما تعلمناه من آداب النبي صلى الله عليه وسلم .
وأنا كمؤيد للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل ، لا أرى أن الهجوم على العوا يفيد من الناحية التكتيكية ولا الشرعية ، فلماذا نخسر أصوات من يؤيده إن اقتنع ببرنامجك الإنتخابي ولماذا لا تغير موقفك أنت كمرشح حازم صلاح وتؤيد العوا إن كان أكثر قدرة على تحقيق العدالة من خلال الشريعة ، لماذا نوالي ونعادي على أشخاص ، المهم هو المشروع الإسلامي للسياسة المصرية الخارجية والداخلية ، المهم هو عدم مخالفة البرلمان التشريعي للشريعة الإلهية ، المهم هو أن يطبق العدل وأن يعامل المصريين سواسية لا فرق بين أحد على أحد لا بماله ولا بنفوذه ولا بسلطانه وجنوده ، المهم أن يجد كل فرد وسيلة للتعيش حسب قدراته ، المهم أن يجد الفقير ما يعالج به أهله ، وأن يجد الجميع حريته داخل بلده .
فيا أتباع العوا وأبو الفتوح ويا أنصار أبو إسماعيل ، تعالوا نتحزب مع المشروع الإسلامي ولا نتفرق من أجل أشخاص ، تعالوا فمصر ستتغير بنا لو اتحدنا ولم نتشرذم أو نتفرق ، وستدخل في نفق مظلم لو أننا تعاملنا مع الموضوع بعصبية زائدة ، فتعالوا نتحد فالموقف صعب والتحدي أصعب .
