الاسلام سؤال وجواب

السبت، 25 يونيو 2011

احذر من الوقيعة .. بين مرشحي الشريعة

يخطئ من يظن أن الشيخ صلاح أبو إسماعيل هبط علينا من السماء ليصلح حال البلاد التي إنحرف مسارها كثيراً عن منهج الله تبارك وتعالى ، ويخطئ من يهاجم د. عبدالمنعم أبو الفتوح و د. سليم العوا لمجرد أنهما يقفان في مواجهة الشيخ أبو إسماعيل ، يخطئ من يظن أن الحل الجذري لمصر هو تعيين رئيس جديد وحسب ، يخطئ من يظن كل هذا ويخرج نفسه من دائرة الحلول فالموضوع أكبر من ذلك بكثير ، إنها حكاية شعب تحرر ولم يتغير !!

حكاية شعب فقير كان يعيش في سجن مقيد للحريات قامع للحقوق طارد للعلم ، حكاية شعب كان يعيش في ظل نظام بوليسي تحكمه عصابة من اللصوص وليس أدل على ما أقول ، سوى وجود نظام سياسي كامل خلف الأسوار الحديدية مقبل بالقيود غُيب في غياهب السجون ، فلما منّ الله عز وجل علينا بإزاحة هذا الطاغوت الذي حكمنا لثلاثين عاماً ، وجدنا الشعب في حالة هيستيريا سياسية ، وجنون حرية ، وسعار ديمقراطية ، وأصبح أسهل شيء هو أن تتهم الآخر الذي يخالفك بالخيانة والعمالة بل والسفالة ؟

وأخشى ما أخشاه أن نكون مثل قوم موسى عليه السلام قال تعالى : (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) ، لكن انظر ماذا فعلوا بعد ذلك ( فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ) فانظر ماذا فعل الله عز وجل بهم ( فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ) الآيات من سورة الأعراف .

أرأيت انتقام الله عز وجل لهم ، فبعد أن نجاهم من فرعون وجنوده ( وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ) فبعد أن نجاهم من الظلمة ، حذرهم من فرعون وآله ومن كانوا على منهجه في الظلم والكفر من رجال حكمه وأفراد شرطه وجيوشه الذين كانوا ( يسومونكم سوء العذاب . يقتلون أبناءكم ) حتى لا تكثروا ، ( ويستحيون نساءكم ) للامتهان والخدمة ، وفي هذا التعذيب والإِنجاء منه { بلاء من ربكم عظيم } يتطلب شكركم لا كفركم ، فيكف تريدون أن تعبدوا غيره ، وتشركوا به أصناماً لا تنفع ولا تضر ، إن أمركم لجد مستغرب وعجب فاتقوا الله وتوبوا إليه .

وهذا ما يحدث لنا الآن ، فبعد أن نجانا الله تعالى من مبارك وآله ونظامه ، وجدنا الشعب قد انقسم إلى معسكرات ، معسكر الليبرالية ويمثله البرادعي وعمرو موسى وأيمن نور، ومعسكر الناصرية ويمثله حمدين صباحي ومعسكر الإسلاميين ويمثله العوا وأبو الفتوح وأبو إسماعيل ، وربما تسمع كلاماً جميلاً من المرشحين ، وتسمع كلاماً عجاباً من المعجبين .

وبدأت الحرب الإعلامية من كل الأطراف ومن كل المرشحين وليس هناك خطوط حمراء على مايبدو ، فقد اتهم البرادعي في شرفه وولائه ، ثم تبين للجميع كذب هذه الإفتراءات ، واتهم عمرو موسى بولائه للنظام السابق وأنه بوق من أبواقه ، ولم يسلم المرشحين الإسلاميين من هذه التهم والأكاذيب فقد وصلت أيادي إعلام ساويرس المرئي والمقروء التي تحتاج إلى القطع لكل مرشح إسلامي .

ووصلت هذه الحرب الإعلامية ليكون أطرافها المرشحين الإسلاميين أنفسهم ، فهناك حالة من النشاز في هذه الحملة ، الكل يريد أن ينجح مرشحه على حساب الآخرين ، ولو بتشويه صورة الآخر ، ومن أسخف ما قرأت هو إتهام الدكتور العوا بالتشيع لمجرد أنه يحاول أن يقرب بين السنة والشيعة ، فسنية العوا ليست محل نقاش ، لكن الرجل بشر كغيره من المرشحين يخطئ ويصيب ، وقد يتساهل بعض الشيء في بعض الأمور تنظر أنت وأنا لها نظرة خاصة ، وينظر هو لها نظرة عامة ، ومن هذه العمومية أن من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو مسلم وليس من حق أحد أن يخرجه من دائرة الإسلام ، وهو كلام رصين يخرج من استاذ قانون وليس من رجل علم يقيد هذه العمومية بما يخصها من نواقض للإيمان ، لكن العوا انشغل بالعلاقة بين السنة والشيعة التي شغلت بال كثيرين من المتدينين والمثقفين والسياسيين وكذلك المعنيين بمسائل الأمن القومى لمنطقة الشرق الأوسط التى غالب أهلها مسلمون من السنة ومن الشيعة ، فتناول في كتابه " العلاقة بين السنة والشيعة " مسألة أصول العلاقة بين السنة والشيعة اتفاقا واختلافا , ثم يترك لأهل الاختصاص فى كل جانب من جوانب الدين والسياسة , والاقتصاد والامن وغيرها , أن يوظف معرفته بهذا الاصل فى مجال اختصاصه وعلاقاته واهتمامه ونشاطه، وليس هذا دليل اتهام له بالتشيع ، بل كما قولت آنفاً أنه تساهل من أجل مصلحة عامة سنجني ثمارها من التحالف الإقتصادي والسياسي والعسكري مع إيران والثقافي مع تركيا، ولا أريد أن يخرج علي من يقول وهل نقبل بتساهل في العقيدة مع من يسب الصحابة ويزعم أن القرآن محرف ، وغير ذلك من هذه التهم التي تخرج من عباءة الآيات والمرجعيات الشيعية ، فلا أحد يقبل هذا ، ولكن لا ينبغي أن تستباح الشخصيات المحسوبة على التيار الإسلامي من بعضها البعض ، لمجرد أنه يتحدث في الموضوع بصفة عامة ، فهناك كلام للعوا بتكفير من يقول أن القرآن محرف وناقص ، الأمر يحتاج إلى متخصصين لقراءة ودراسة ما يقول ثم تحليلها تحليلا شرعياً ينبه فيه إلى ما أخطئ فيه - إن كان هناك ثمة خطأ - ولكن حتى يأتي هذا اليوم ينبغي أن يسود بيننا الحب والاحترام ونضرب المثال العملي فيما تعلمناه من آداب النبي صلى الله عليه وسلم .

وأنا كمؤيد للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل ، لا أرى أن الهجوم على العوا يفيد من الناحية التكتيكية ولا الشرعية ، فلماذا نخسر أصوات من يؤيده إن اقتنع ببرنامجك الإنتخابي ولماذا لا تغير موقفك أنت كمرشح حازم صلاح وتؤيد العوا إن كان أكثر قدرة على تحقيق العدالة من خلال الشريعة ، لماذا نوالي ونعادي على أشخاص ، المهم هو المشروع الإسلامي للسياسة المصرية الخارجية والداخلية ، المهم هو عدم مخالفة البرلمان التشريعي للشريعة الإلهية ، المهم هو أن يطبق العدل وأن يعامل المصريين سواسية لا فرق بين أحد على أحد لا بماله ولا بنفوذه ولا بسلطانه وجنوده ، المهم أن يجد كل فرد وسيلة للتعيش حسب قدراته ، المهم أن يجد الفقير ما يعالج به أهله ، وأن يجد الجميع حريته داخل بلده .

فيا أتباع العوا وأبو الفتوح ويا أنصار أبو إسماعيل ، تعالوا نتحزب مع المشروع الإسلامي ولا نتفرق من أجل أشخاص ، تعالوا فمصر ستتغير بنا لو اتحدنا ولم نتشرذم أو نتفرق ، وستدخل في نفق مظلم لو أننا تعاملنا مع الموضوع بعصبية زائدة ، فتعالوا نتحد فالموقف صعب والتحدي أصعب .

الأربعاء، 22 يونيو 2011

الوقف.السنة الغائبة


أنشئت صفحة على موقع التواصل الإجتماعي الشهير (Feacebook) تحمل عنوان " الوقف.السنة الغائبة" ، أردت منها أن يتعرف الناس أكثر ويقتربون أكثر من فقه الوقف ، والحقيقة أن موضوع الوقف الإسلامي ، يجب أن يُنظر له نظرة مختلفة تنال الإهتمام والعناية اللازمة لتحقق الغرض منها .

فأعتقادي الجازم أن الوقف يستطيع بكثير من الوعي والعلم والبذل ، أن يشارك المجتمع في حل أزمته والكل يعلم مشاكل المجتمع ، لكن كثير منّا ينتظر الحل الحكومي ، كثير منّا يعتقد أن السماء ستمطر ذهباً - والله عز وجل قادر على ذلك لا شك فيه - كثير منّا لا يفكر في حل مشكلة المجتمع الذي يعيش فيه وينتمي إليه ، كثير منّا ألفَ أن يكون جزء من المشكلة ، ولم يخطر على باله أن يكون جزء من الحل.

والحل ، أن نفعل دور المنظمات المدنية التي تخرج من سيطرة الحكومة ، وأهم وأنفع وأعظم هذه المنظمات هي المنظمة الوقفية ، لأنها قادرة ليس فقط على جذب أموال المحسنين والمتصدقين والأثرياء بل والبسطاء والفقراء ومتوسطي الدخل ، فالكل لاشك يبحث عن أجر دائم طوال حياته وبعد مماته ، والوقف يقوم لك بهذا الدور .

فالوقف يستطيع بقدرته على التمويل ، أن ينشئ الشركات في الأنشطة المباحة كإستصلاح الأراضي الزراعية وإدارة العقارات ، وشركات المقاولات ، والصيانة لحل أزمة البطالة والإسكان من خلال بناء الآف الوحدات السكنية منخفضة القيمة الإيجارية أو الشرائية .

ويستطيع القيام بنهضة علمية من خلال نشر الكتب العلمية والشرعية وحتى الكتب المدرسية والجامعية ، وبناء المدارس في مختلف المراحل التعليمية أو دفع تكاليف التلاميذ والطلاب غير القادرين ومحو أمية الكبار.

ويستطيع تبني المشاريع الإستثمارية العملاقة من أجل إحداث طفرة حديثة ونقلة نوعية في الحضارة الإسلامية المعاصرة .

ويستطيع أن يكون مطهراً للفضاء التلفزيون من خلال إطلاق قمر إصطناعي إسلامي يجمع فيه القنوات الدينية والإجتماعية والإخبارية الخالية من المحضورات الشرعية ، وتخفيض قيمة إشارة البث الفضائي بما يضمن إمتلاء الفضاء الإعلامي بالكثير من القنوات التي لن يخيفها كابوس الإفلاس ولا شبح التدخل الحكومي.

ويستطيع بناء المراكز الصحية في كل منطقة سكنية وتجهيزها بأحدث الأجهزة الصحية والوسائل والتقنيات الحديثة في الطب ، ودفع رواتب الطاقم الطبي والتمريض بما يضمن تقديم خدمة راقية ومخفضة للأهالي .

ويستطيع إنشاء البنوك الإسلامية وشركات التمويل الإسلامية وشركات التأمين الإسلامية ومن ثم سيزيد من القوة الإقتصادية للبلد من خلال جذب الأموال المكنزة خارج الإطار الشرعي ، وسيساعد المحتاجين في القروض الحسنة أو الغارمين في سداد ديونهم بدلاً من سجنهم وتشريد عائلاتهم.

والكل يعلم مسبقا أن ما يدفعه في هذه الشركات أو المستشفيات أو أي نشاط تجاري وصناعي وزراعي وقفي ، سيستفيد منه شخصياً في الدنيا ، وفي الدنيا أيضاً سيعود على الفقراء والمحتاجين ولن يدخل في جيوب أصحابها ولا يزيد من أرصدتهم البنكية ، وفي الآخرة سيجد رصيد هائل من الحسنات التي ضاعفها الله عز وجل له.

وهذه الصفحة الجديدة ستجعلك تؤمن بالفكرة ، وستضع بين يديك فقه الوقف من كتب السُنّة ، ومقالات الباحثين والمتخصصين في شتى مجالات الوقف ، وستوضح لك أهمية الوقف ومقاصده في الإسلام ، وأسأل الله عز وجل أن يكتب الأجر لجميع المسلمين ، ويعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا.

الاثنين، 13 يونيو 2011

حازم صلاح أبو إسماعيل


---------------------------------

---------------------------------

---------------------------------


الأحد، 12 يونيو 2011

أقلام تستحق الإعدام


الحقيقة كما أن هناك أقلام تنير في الظلام ،هناك أيضاً أقلام تستحق الإعدام ، فبعض الأقلام الحاقدة هاجمت الشيخ أبي إسحاق الحويني ، وفرغت فيه حقدها الدفين على الإسلام وأهله ، ولا يأبه أصحاب (الأقلام الحرة) ، لخطورة ما تخطه أيديهم من كلمات ، فالبعض منهم على استعداد لأن يسب ويلعن ويقذف من أجل أن يكون مشهوراً ، مثل الذي يبول في بئر زمزم من أجل أن يدخل التاريخ ، والبعض لا يهمه أن يهتك الشيطان شرف قلمه ليكذب على أهل الدين ويسخر منهم أمام القراء ، وتراه لا يتوقف عن اختراع الأباطيل واختلاق الأكاذيب من أجل أن يطبخ وليمة دسمة من السموم والإفتراءات ينهش بها في لحوم العلماء والدعاة ، الذين قضوا حياتهم وأفنوا أعمارهم وضحوا بأوقاتهم في تعليم الناس أمور الدين والحلال والحرام ، وتخليصهم من مظاهر الشرك والوثنية ، ونصحهم بما ينفعهم في دنياهم ويمكث معهم في أخراهم ، في الوقت الذي يعشق فيه الآخرون (التهجيص) على الناس ، وحشو السطور بما يثقل به موازين السيئات وصدق الله تعالى إذ يقول : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَايَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ ) { الرعد : 17}.

ولو تابعت ما يُنشر في الصحف والمجلات الورقية والإليكترونية ، ستندهش من عدم قدرتهم على الجلوس في مائدة واحدة مشتركة للحوار ، لكنهم وبكل وقاحة لديهم قدرة عجيبة على تجميع الصفوف لشن حرب شعواء على الدين وأهله ، ويستهزئون بهم من خلال إسقاط بعض المصطلحات مثل (غزوة) على بعض الوقائع والأحداث لكي يسخرون من أفكارهم ، وهم الذين امتلأت روؤسهم بالأفكار العفنة ، وخطت أيدهم السطور النتنة.

وأنصح هؤلاء الجهلة الذين يكتبون بأقلامهم الحرة – زعموا – قبل أن يلوكوا في سيرة الناس بالغيبة والبهتان ، أن يتعلموا أولاً العلم الذي ينفعهم في حياتهم وينقذهم في الآخرة ، ثم بعد ذلك تتأدب أقلامهم بما تعلموه من الصفات المحمودة التي ينبغي عليهم اكتسابها ، والصفات المذمومة التي يجب عليهم اجتنابها.

والجاهل الذي يصر على رأي خاطئ ، هو في واقع الأمر يحتاج إلى أحد شخصين إما معلم يعلمه الصواب ويبتعد به عن الخطأ ، أو طبيب نفسي يعالج غروره وعناده ، لأن العلماء الأصوليون يقولون أن الجهل نوعان ، بسيط ومركب ، فالبسيط هو الشيء الذي لا تعلمه ولم تفهمه ، أما المركب فهو الشيء الذي علمته وفهمته بالخطأ.

والجاهل الذي يناطح العلماء وينتقدهم ، هو أحمق لا من جرأته على نقد العلماء فهم غير معصومين لكي نقدسهم ، ولكن حماقته لأنه دخل معركة خاسرة ، لا يجيد فنونها ولا يعرف أسلحتهم حتى يواجههم بها.

فالكلمة خطيرة ، ولخطورة الكلمة صان الإسلام حقوق الناس من أثرها على الفرد والمجتمع ، فبكلمة تدخل في الإسلام وتنتظرك الجنة ، وبكلمة تخرج منه وتنتظرك النار، وبكلمة تقام الحروب ، وبكلمة تحل الزوجة لزوجها ، وبكلمة تمنع منه بطلاقها ، وبكلمة تطبق الحدود على من يقذف المحصنات ، وبكلمة يرفعك الله إلى السماء ، وبكلمة يُخسف بك في الأرض ، وبكلمة يتذكرك الناس بالخير ، وبكلمة يتذكرك الناس بالشر .

فالكلمة لها شأن عظيم، فلربما كانت سببا من أسباب الرضوان أو كانت سببا من أسباب الحرمان ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه : (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات ،وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوى بها في جهنم) [متفق عليه].

وليست الكلمة في الإسلام حركات يؤديها الإنسان بلسانه دون شعور بالمسئولية الملقاة على عاتقه من تأثيراتها ، ونحن المسلمون مأمورن بالقول السديد ، قال تعالى : (: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) { الأحزاب : 70} ، قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره : " وأن يقولوا قولاً سديداً ، أي مستقيما لا اعوجاج فيه ولا انحراف" .

بل أنت مأمور أن تكف لسانك عن الخوض في الناس بصفة عامة ومن باب أولى العلماء والدعاة تعد بذلك من خيار المسلمين وأفضلهم ، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: (من سلم المسلمون من لسانه ويده) [متفق عليه]

وفي بيان خطر الكلمة على الإنسان ما لم ينضبط بالضوابط الشرعية ، خاطب النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة من أصحابه وهم سفيان بن عبد الله الثقفي،وعقبة بن عامر،ومعاذ بن جبل، فيقول لسفيان حين سأله يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به ، قال: ((قل ربي الله ثم استقم ،قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: هذا)) ، وقال عقبة بن عامر: يا رسول الله ما النجاة؟ قال: ((أمسك عليك لسان وليسعك بيتك وابك على خطيئتك).

فهل يدرك هؤلاء أن هناك صحفيون سكوتهم من ( ذهب ) وكلامهم من (نحاس) ؟
هل يفطن أولئك الذين أبتلينا بأقلامهم وفضح الله ما تخفي صدورهم من حقد على الإسلام وأهله ؟ فيمسكون أقلامهم عن دين الله تعالى وأهل دعوته ؟
هل ينتهي هؤلاء الذين صدعوا رؤوسنا بالأكاذيب والهراءات عن سب أهل الدين ؟
هل سيبكي هؤلاء الخراصون على خطيئتهم في حقهم ؟
هل سيكفون لسانهم عن التجريح في العلماء والدعاة ؟
على أي حال ، إن لم تكف لسانك عن الخوض في دعاة الدين ، فلا تلوم من سيقطعه .


الخميس، 9 يونيو 2011

الإسراء والمعراج

قال الله سبحانه وتعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) {الإسراء:1} .

وقال الله تعالى: (وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إلى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى. أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَ مَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ){النجم : 5 ـ 18}

فالإسراء والمعراج قصة عظيمة جعلها الله عز وجل آية من آياته التي تدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم ونبوته ، وكانت بروحه وجسده عليه الصلاة والسلام كما هو المتَّفَقُ عليه لدى جمهور العلماء ، وفيها فُرضت الصلاة على المسلمين كما هو معلوم .

الإِسْرَاءُ ، لُغَةً : السير بالشخص ليلاً ، وشَرْعًا: سَيْرُ جِبْرِيلَ بالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إلى بيتِ المَقْدِسِ.

والمِعْرَاجُ لُغَةً: الآلَةُ الَّتي يُعْرَجُ بها، وهيَ المِصْعَدُ ، وشَرْعًا:السُّلَّمُ الذي عَرَجَ بهِ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن الأرضِ إلى السماءِ ، ولا صحة لما يردده البعض أنها كانت رحلة منامية ، إذ لو كان الأمر كذلك فلماذا أنكر كفار قريش على النبي صلى الله عليه وسلم سرده لهذه المعجزة ، لولا أنهم يدركون ويفهمون حقيقة ما يحكيه عليه الصلاة والسلام.

وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، ثم عرج به عليه الصلاة والسلام إلى السماء، واتفق العلماء على أن الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة .

قال العلاّمة ابن باز رحمه الله تعالى في مجموع فتاويه : (وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرج به إلى السماوات ، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة ، فكلمه ربه سبحانه بما أراد ، وفرض عليه الصلوات الخمس ، وكان الله سبحانه فرضها أولا خمسين صلاة ، فلم يزل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يراجعه ويسأله التخفيف ، حتى جعلها خمسا ، فهي خمس في الفرض ، وخمسون في الأجر , لأن الحسنة بعشر أمثالها ، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه).

ومن الأمور المشهورة عند الكثيرين أن الإسراء والمعراج يرتبط إرتباطاً وثيقاً بشهر رجب ، ومن ثم فهو عندهم يُعد موسماً من مواسم الطاعة لشرف المناسبة وأهميتها ، والمفاجأة التي لن يسعد بها هواة الإحتفالات الرسمية وغيرها ، أنه لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب ولا غيره ، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث ، بل أهل العلم مختلفون على شهر الإسراء والمعراج فضلاً عن الإختلاف في ليلتها ويومها ، وكل ما قيل إجتهادات منهم بنوها على حساباتهم ، فمنهم من قال أنها في ربيع الآخر، ومنهم من قال أنها في ربيع الأول، ومنهم من قال أنها في رجب ، ومنهم من قال أنها في رمضان ، ومنهم من قال أنها في شوال، لكن المشهور أنه في رجب ، وليس شهرة الشيء دليل على صحته أو فرضاً لثبوته.

إذ اختلف العلماء في تحديد شهر الإسراء والمعراج على النحو الذي ذكر آنفاً ، وكذلك اختلفوا على تحديد ليلتها ، فمنهم من قال أنها ليلة السبت لسبع عشر من رمضان ، ومنهم من قال أنها ليلة سبع وعشرين من ربيع الاخر، ومنهم من قال أنها ليلة سبع وعشرين من رجب ، بل واختلفوا أيضاً في تحديد الليلة ، فمنهم من ذكر أنها كانت ليلة السبت وهناك من قال ليلة الجمعة وآخرون قالوا ليلة الإثنين ، وكلها كما ترى اجتهادات فردية لا يقم عليها دليل .

والسؤال إذا كان المشهور أن الإسراء والمعراج في رجب ، فما الضرر في التقرب إلى الله تعالى بتخصيصها بالعبادة احتفالاً بها وتمييزاً لها عن غيرها من بقية الأيام ؟ وهل ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر ؟

والإجابة كما علمت من المقال السابق أن العبادات توقيفية ، بمعنى لا يجوز لك ولا لغيرك التقرب إلى الله تعالى بطريقة لم يأذن بها أو يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنك بذلك تكون قد أحدثت في دين الله ما ليس منه ، ولا يغرنك جميل ما تظنه أنها عبادة ، بل تذكر – حفظك الله من البدع - قبح ما تصنعه من اتهامك للنبي صلى الله عليه وسلم بالتقصير في تلبيغ الدين ، لأن الله تعالى يقول : (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الأسلام دينا ) { المائدة : 3} ، فالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها ، ولم يخصوها بشيء , ولو كان الاحتفال بها أمرا مشروعا لبينوه للأمة ، إما بالقول وإما بالفعل , ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر ، ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا ، مثلما نقلوا إلينا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كل شيء تحتاجه الأمة حتى تحريك الأصبع في التشهد ، ولم يفرطوا في شيء من الدين ، بل هم السابقون إلى كل خير ، ويتبين لك – رعاك الله – أن هؤلاء الذين يحتفلون بليلة الإسراء والمعراج إنما هم مبتدعة ، جاؤا بما لم يشرعه الله ، ولم يشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما يفعل هؤلاء المخرفون المبتدعة الذين اتخذوا دينهم طقوساً ومناسبات بدعية ، وتركوا السنن وتركوا الشرائع الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو دعوتهم إلى تطبيق سُنة لولوا وهم مدبرون.

وعدم تخصيصها بالعبادة هو الصحيح ، وانظر إلى الفرق بينها وبين ليلة القدر ، التي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بتحري ليلتها والتعبد فيها ، حيث جعل الله عز وجل الأجر العظيم لمن يعمل فيها في طاعته ، وبين ليلة الإسراء التي يجهل شهر واختلف في يومها ، ولم ينقل فعلاً خاصاً يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته فيها ، ورغم ذلك فليلة الإسراء عظيمة القدر والشأن للنبي صلى الله عليه وسلم ، أما ليلة القدر فظيمة القدر والشأن لأمة النبي صلى الله عليه وسلم كما أجاب بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية لمّا سُئل رحمه الله عن ليلة القدر وليلة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل ؟ فأجاب بأن ليلة الإسراء أفضل في حقِّ النبي صلى الله عليه وسلم ، وليلة القدْر أفضل بالنسبة إلى الأمَّة ، فحظ النبي صلى الله عليه وسلم من ليلة المعراج أكمل من حظِّه من ليلة القدر ، وحظ الأمة من ليلة القدر أكمل من حظهم من ليلة المعراج ، وإن كان لهم فيها أعظم حظ ، لكن الفضل والشرف والرتبة العليا إنما حصلت فيها لمن أسري به صلى الله عليه وسلم .

الأربعاء، 8 يونيو 2011

شهر رجب .. بين الإفراط والتفريط

الأشهر الحرم أربعة كما قال عنها الله تعالى : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) {التوبة:36} ، وهي ذو القَعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فقال : ( إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القَعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) . { رواه البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي بكرة رضي الله عنه }

وللأشهر الحُرم ومنها شهر رجب مكانة عظيمة ومنزلة جليلة ، كما قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ ) { المائدة : 2} ، وعِظم هذه المكانة يفرض علينا أن نراعي حرمة هذه الأشهر ولا نقع في المعاصي أو نرتكب الذنوب التي اعتدناها في غيره ، فإرتكاب المعاصي يعظم بشرف المكان كبيت الله ، ويعظم بشرف الزمان كالأشهر الحُرم ورمضان ، وأكد سبحانه وتعالى على هذا المعنى فقال : (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) {التوبة:36} ، لذا من التفريط في شهر رجب أن أظلم فيها نفسي وغيري بالمعاصي والذنوب

ولكن بعض الناس لعظم هذا الشهر لدرجة ظنه أن تخصيصه بالعبادة أمر طيب لن يلام عليه ، فيقوم الليل ويصوم النهار ، ويعتمر ، كل هذا من أجل إفراطه أن شهر رجب يُستحب فيه العبادة.

والحقيقة التي يجب أن يعرفها من يريد أن يتقرب إلى الله تعالى بالطاعات ، أن أي عبادة نريد الشروع في التنسك بها ، يجب أن نسأل أنفسنا أولاً ، هل ما أفعله فعله النبي صلى الله عليه وسلم ؟ هل ما أقوم به ، قام به الصحابة والتابعون ومن أقتفى أثرهم من بعدهم ؟ إذ أن هناك حد فاصل بين العمل المقبول والمردود ، وهناك وجهان للعمل إمّا أن يكون سُنّة وإما أن يكون بدعة ، لذا كان من شروط قبول العمل عند الله تعالى أن تنوي بهذا العمل التقرب إلى الله تعالى ، وهذا يعني أنك لا تريد أو تقصد ثناء الناس عليك ، ولا تفعل هذا ابتغاء مرضاتهم هم ، ولذلك قال تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء ) {البينة:5} ، ولو أنك قصدت ثناء الناس وشكرهم وفعلت ذلك من أجل علو مكانتك عندهم أو البحث عن شرف وشهرة ، فأنت بذلك تعرض نفسك لرد عملك وعدم قبوله ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال الله تبارك وتعالى : ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) رواه الإمام مسلم ، والرياء والسمعة التي بحثت عنهما من خلال عبادتك ، هي التي خاف منها النبي صلى الله عليه وسلم على أمته وقال أنها الشرك الخفي ، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال : ( يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل ، فقال له من شاء الله أن يقول : وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله : قال : قولوا : اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه ) رواه أحمد وحسنه لغيره الألباني .

وطالما أشركت في عملك وجعلت مع الله أحد ، فقد أحبطت عملك بنفسك ، لقوله تعالى : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )
{ الزمر:65}.

ولا يكفي مع صدق النية وإخلاصها ، أن تعبد الله تعالى بما لم يشرعه أو جاء به نبيه صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )
{ الشورى:21} ، وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الإبتداع في الدين فقال : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وهو الشرط الثاني من شرطي قبول العمل أن يكون موافقاً لسُنّة النبي صلى الله عليه ،.

وبعد أن تبين لك – رعاك الله - أن شرطي قبول العمل ، الإخلاص لله تعالى ومتابعة سُنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فاعلم أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يخصص شهر رجب بالعبادة لذاته ، ولم يصم فيه ، قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ولم يصم صلى الله عليه وسلم الثلاثة الأشهر سردا ( أي رجب وشعبان ورمضان ) كما يفعله بعض الناس ولا صام رجبا قط ولا استحب صيامه وإنما يشرع فيه من الصيام ما يشرع في غيره من الشهور ، من صيام الاثنين والخميس أو الأيام الثلاثة البيض ، أوصيام يوم وإفطار يوم ، وقد كان عمر رضي الله عنه ينهى عن صيام رجب لما فيه من التشبه بالجاهلية كما ورد عن خرشة بن الحر قال : رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام ويقول : كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية . ( الإرواء 957 وقال الألباني : صحيح) ، وقال الحافظ ابن حجر في تبين العجب بما ورد في فضل رجب : لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معيّن ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ وكذلك رويناه عن غيره.

وكذلك العمرة في رجب ، فقد دلت الأحاديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب كما ورد عن مجاهد قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبدالله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فسئل : كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أربعا إحداهن في رجب . فكرهنا أن نرد عليه قال : وسمعنا إستنان عائشة أم المؤمنين ( أي صوت السواك ) في الحجرة فقال عروة : يا أماه يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبدالرحمن ؟ قالت : ما يقول ؟ قال : يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمرات إحداهنّ في رجب . قالت : يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهد ( أي حاضر معه ) وما اعتمر في رجب قط . متفق عليه وجاء عند مسلم : وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم .
قال النووي : سكوت ابن عمر على إنكار عائشة يدل على أنه كان اشتبه عليه أو نسي أوشك.
ولهذا كان من البدع المحدثة في مثل هذا الشهر تخصيص رجب بالعمرة واعتقاد أن العمرة في رجب فيها فضل معيّن ولم يرد في ذلك نص إلى جانب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه أنه اعتمر في رجب.

وتأسيساً على ما سبق ذكره آنفاً ، وقد تبين لك أن تخصيص شهر رجب بالعبادة لم يعرف عن سلفنا الصالح رضوان الله عليهم ، إلاّ أنه إذا كنت ممن يقيمون الليل خارج رجب فلا حرج أن تستكمل قيامك داخله ، وإذا كنت ممن يصمون الإثنين والخميس أو غيره مما ورد في السنة خارج رجب فلا حرج أن تستمر على طريقتك داخله ، لأنك لا تفعل هذا من أجل (خصوصية) شهر رجب بل تفعله من أجل (عمومية) العبادة .

وأخيراً لا ننس أن هو جوهر الأشهر الُحرم ومنها رجب أن نلتزم بعدم التعدي على حدود الله تعالى وإنتهاك الحُرمات والذنوب ، ولا إبتداء القتال كما قال تعالى : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) { البقرة : 217}

ويبقى في شهر رجب قصة الإسراء والمعراج أتناولها بالتفصيل مع وعد بأن الكثيرين سيفاجأهم ما سيقال في المرة القادمة بإذن الله تعالى .

الثلاثاء، 7 يونيو 2011

من أين لك هذا ..!!

لا يوجد من لا ينشغل بأمر رزقه ، و لا يوجد من لا يهتم بجمع المال ، وكل واحد لديه سبباً وجيهاً لينشغل بهذا الشأن ، فهناك من يريد الزواج ، أو هو العائل الوحيد لأهله يريد الإنفاق على أخوته وأمه ، أو يسدد التزاماته ، أو يقضي ديونه ، أو يستثمر في البورصة أو يبني عقاراً أو يشتري أصلاً ، أو يدفع مصروفات أولاده المدرسية والجامعية ، أو يريد السفر ، وهكذا الكل يريد العمل .

وخطورة الموضوع لسهولة الحرام ، فقد كثرت طرق اكتساب المال من الأعمال الوظيفية والأعمال الحرة ، ولا يخفى عليكم أننا نعيش في زمان لا يهتم فيه الكثيرون بمصدر ماله من أين حصل عليه ، إلاّ من رحم الله عز وجل ، مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام ) رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

وأنا هنا لا أتحدث عن المعاملات المحرمة في جمع المال مثل الرشوة والسرقة والنصب والإحتيال والغش ، ولكن أتكلم عن مصدر يتوهم صاحبه أنه يُحصّل رزقه من مال طيب حلال وهو في الحقيقة غير ذلك ، وإنما ألتبس عليه الأمر ، لعدم تثبته أولاً من شرعية المعاملة التي ينتهجها.

وأول ما يجب عليك أن تعلمه قبل أن تكتسب مالك أن تعلم جيداً أنك عنه مسئول ، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تزول قدما عبد حتى يسأل أربع : عن عمره فيم أفناه ، و عن علمه ما فعل فيه ، و عن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه ، و عن جسمه فيم أبلاه ؟ ) صحيح الجامع للألباني.

ثم اعلم – رحمك الله – أن الإنسان الذي يتحرى الحلال الطيب في رزقه لا يخشى بعد ذلك من فوات شيء دنيوي عليه ، فمثلاً لو أنك تريد شراء بيتاً أو سيارة ولم تجد أمامك غير الإقتراض الربوي ، فلا تفعل ولا يهمك فوات ما تريد شراءه عليك ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول :
( أربع إذا كان فيك ، لا يضرك ما فاتك من الدنيا : حفظ أمانة ، وصدق حديث ، وحسن خليقة ، وعفة طعمة ) رواه الإمام أحمد وصححه الألباني ، والمقصود بعفة الطعام هو أن يأتي من مصدر طيب حلال لا شبهة فيه .

وكذلك لا تُحصّل رزقك من معاملة مشبوهة أو اختلط فيها الحلال بالحرام ، خشية فوات رزقك فقد ضمنه الله تعالى لك ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن روح القدس نفث في روعي، أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله ، وأجملوا في الطلب ، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته ) صحيح الجامع للألباني.

وإذا أردت أن تكون مستجاب الدعاء ومقبول العمل ، فيجب عليك من تحري الرزق الحلال ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ). ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وهذه النصائح التي أنصح بها نفسي أولا ، ينبغي أن توضع في الإعتبار ، ونوليها الإهتمام اللازم قبل أن نخطو الخطوة الأولى في أي نشاط نريد الإستثمار أو العمل فيه ، إذ أن أسواق المال العالمية فضلاً عن المحلية اليوم في أمس الحاجة إلى تلك الضوابط التي جاء بها الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا وطبقها المسلمون لأكثر من عشرة قرون ولم يشهد التاريخ لهم بأزمات عاصفة كما حصل مع الحضارة الغربية حيث اعتاد مسئولوها الصراخ والعويل.

ويكمن السر في هذه الضوابط أنها مشمولة بالأوامر والنواهي الإلهية ، فمن يأخذها بقوة يكون محفوظاً بالعناية الربانية ، ومن يُعرض عنها ، فسيوكل إلى نفسه ، ففرق كبير بين من يسمع لكلام الله ويطيع وبين من يسمع ويعصي ، قال تعالى : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) { القلم : 36}

ثم أن هذه الأوامر والنواهي الإلهية والنبوية ، ما قيلت إلاّ لأنها الأفضل والأحسن في مجال الإختيارات الإقتصادية ، فضلاً عن إنها من باب التشريع المأمورين بالأخذ به ، فالله تعالى حين يُحرم الربا ، لا ينبغي أن يخرج علينا من يقول أنها إقتصاديات السوق ، والعرض والطلب وآليات السوق الحرة ، وغيرها من الترهات التي يلبسها إبليس على المفتونين بالحضارة الغربية.

وحين ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيوع محرمة فلا ينبغي أن نتنظر الحضارات الأخرى لكي تكتشف لنا أهمية مثل هذا النهي مثلما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاقتصاد الورقي : ( لا تبع ما ليس عندك) رواه أبو داود وصححه الألباني ، لما لذلك من جهالة وغرر تزيد من احتمالات النزاع ووجود كثير من حالات البيع والشراء الوهمية تؤدي في الغالب إلى تدهور الحالة الاقتصادية .

فلا نصدقه إلا إذا تنبهت إليه أسواق البورصة الأجنبية لما عمدت للتخفيف منها حين وجدوا أن القائمين على العملية يبقون ولمدة شهر مدينين وبالتالي يمكنهم بيع وشراء الأصل ذاته عدة مرات وحصد أو قبض الفوارق الحاصلة بين الأسعار المتغيرة يومياً ، أو لما تصدر الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية وهي أعلى هيئة رسمية تعنى بمراقبة نشاطات البنوك قرارا يقضي بمنع تداول الصفقات الوهمية والبيوع الرمزية التي يتميز بها النظام الرأسمالي واشتراط التقابض في أجل محدد بثلاثة أيام لا أكثر من إبرام العقد.

لذلك كله ، ينبغي علينا أن نفكر ملياً ونستشير كثيراً من الناحية الإقتصادية وكذلك الشرعية جدوى المشاريع التي نريد الإستثمار فيها أو العمل في نشاطها ، حتى نضمن أن الذي يدخل في جوفنا ويصرف على بيوتنا من الحلال الطيب الذي يبارك الله فيه لصاحبه .

الخميس، 2 يونيو 2011

كن شجاعاً واتخذ القرار !!

أكبر مخاطرة ترتكبها في حياتك ، أن تبحث عن الخيارات المستقبلية التي توفر لك الأمن المادي دون أن يشغل بالك أمر الآخرة رغم أنك ستذهب إليها حتماً لا ريب في ذلك ، أكبر مغامرة تخوضها في حياتك أن تقضي عمرك باحثاً عن السعادة وتفرح حين تجدها في لذة أومتعة مُحرَّمة ، ثم إذا جاءك الموت بغتة تذكرت أن هناك آخرة لم تعمل لها قط ، أكبر أحلامك لن تفرح بها حين تتحقق لو لم تترجم حلمك بدخول الجنة إلى منهج حياة تسير عليه أو واقع فعلي تعيشه.

كثير من الشباب لا تجده إلاّ في ملاعب الكرة أو جالساً على مقاعد السينما ، كثير من الشباب يبحث عن الكيفية التي يقضي بها وقته ويضيعه ، منهم من يلعب ومنهم ويسافر ومنهم من يجلس على المقاهي ومنهم من يشرب المخدرات أو المسكرات ، ومنهم من يلهو مع البنات ، ولا يخطر له الموت على بال ، ولم يفكر فيه ولو للحظة واحدة.

والتفكير في الموت لا يجب أن يؤخذ من باب العظة والعبرة فقط ، فمعرفة الإنسان بالموت وما يحصل له فيه من الإيمان باليوم الآخر ، وقتها ستعرف أن هناك لحظات احتضار ستمر عليك مثلما مرت على النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقاسي ويعاني منها ، قائلاً : ( لا إله إلاّ الله ، إن للموت لسكرات ) رواه البخاري في صحيحه ، وفي لحظة الإحتضار أو قبيل مجيئ ملك الموت لك بإذن الله تعالى ليقبض روحك ، ستكون وقتها في حالة خاصة بك يطلق عليها علامات حُسن الخاتمة أو سوء الخاتمة وهي العلامة التي يختم لك الله تعالى بها حياتك التي كنت تعيشها فمن عاش على شيء مات عليه ، ومن مات على شيء بُعث عليه ، فربما كنت قارئاً للقرآن ، ربما كنت ساجداً لله ، أو كنت صائماً ، ربما كنت حاجاً أو معتمراً ، ربما كنت مجاهداً في سبيل الله تعالى ، أو كنت جالساً تستغفر ربك وتسترحمه ، وربما كنت لاهياً عابثاً ، لم تترك معصية إلا وفعلتها ، ولا محرماً إلا وقد ارتكبته ، تضيع وقتك في اللعب واللهو ، رصيدك من الحياة تستنزفه على صفحات الإنترنت الإباحية ، أو الأفلام الماجنة والأغاني الخليعة ، وإذ بك فجأة وأنت على حالتك السابقة يأتيك ملك الموت ليقبض روحك ، وقتها لن ينفع الندم ، ولن يُسمح له ولا لك بتأجيل الموت ، قال تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ({الأعراف: 34}.

وطالما كانت هذه هي النهاية الحتمية لقصة حياتك ، فلماذا لا تجعل نهايتها سعيدة بميتة سعيدة ، تجد حلاوتها في قبرك وفي آخرتك ، ما الذي يمنعك من اتخاذ بعض القرارات الهامة في حياتك لتصحح بها مسارك .

إن كثيراً من رجال الأعمال والتجار والإقتصاديون والماليون والشركات الصغيرة والكبيرة ، يستعرضون دائماً نتائج الأعمال ويفصحون عنها في التقارير من أجل التحليل الفني لهذه النتائج التي تظهر حقيقة المركز المالي ووضع السوق ، وتظهر لمن يجيد قراءة هذه الأرقام من المحللين مشاكل الشركة الفنية من تضخم المصاريف وضعف الإيرادات والتحصيل ، ثم يبدأ دور المسئولين في إتخاذ القرارات التصحيحية .

ونحن كذلك في حياتنا نحتاج إلى تحليل فني لما يحدث في يومنا ، فالشركات تبوب أحداثها الإقتصادية على أساس إيرادات ومصروفات مباشرة وغير مباشرة وأصول ثابتة ومتداولة أو إلتزامات قصيرة الأجل أو طويلة الأجل ، لكنك ستبوب أحداثك عن طريق الحسنات والسيئات والكبائر والصدقات والبر ومساعدة الغير وغيرها .

ثم تحلل نتائج هذه الأعمال اليومية ، ربما تجد أنك لم تتصدق طوال الشهر ولا مرة أو ارتكبت كثير من الكبائر أو الصغائر ، وهو ما يسمى بوقفة المحاسبة مع النفس قبل أن تغرق في بحور من شهوات لا أخر لها.

ثم تأتي مرحلة اتخاذ القرار ، ويأتي على رأس القائمة التوبة ، حتى تغلق هذه الصفحة الماضية ، ينبغي أن تغلقها بالتوبة مما حدث فيها من تقصير أو خطأ ، ثم تعاهد الله عز وجل أنك لن تعود لمثل ما مضى أبداً وتعقد العزم على ذلك .

ومن نتائج المحاسبة ستجد أنك لم تصل جماعة في المسجد إلا يوم الجمعة ، فتبدأ بإتخاذ القرار أنك ستذهب إلى المسجد مع كل آذان .

أو أنك كنت تصاحب الفتيات في النوادي والملاهي أو في غرف المحادثة أو غرف النوم ، فتتوب من هذا كله وتقطع صلتك نهائياً بمن لا تحل لك فعل ذلك معها ، واحذف ارقام هواتفهن وامنع نفسك منعاً باتاً.

ربما وجدت أنك مقصر في حق والديك أو أقاربك ، فصل رحمك وبر والديك ، لتأتيك البركات من السماء بإذن الله تعالى .

ربما كنت تعمل عملاً أوتمتهن مهنة حرمّها الله تعالى ، فابغض هذا العمل بقلبك ، واسعى إلى عمل جديد ، وانوي أن يرزقك الله الرزق الطيب الحلال.

حاسب نفسك ، وخذ قرار بالتوبة والعودة ، قبل أن يفوت الآوان ، فالموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل.

الأربعاء، 1 يونيو 2011

الشعب يريد .. مرشح جديد !!


يخطئ من يظن أن الثورة هي عصا موسى التي ستلقف ما صنع نظام مبارك من مشكلات جاءت لمصر (المواطن والوطن) ، فالحياة السياسية في مصر حبلى بالمشاكل التي لا تنتهي ، وتولد كل يوم مشكلة جديدة ، وتنمو كل يوم وتكبر مشكلة قديمة ، فالأمان قد افتقد ، والإنتاج قد تعطل ، والمظاهرات الفئوية لا يهدأ لها بال ، وكل يوم يخرج ساحر من جراب مبارك ، من سحرته الذين بدأوا يتساقطون بعد أن أفسدوا حياة المصريين ، سحرة فرعون قضى عليهم موسى عليه السلام لمّا رأوا معجزته فآمنوا برسالته ، فمتى سيفهم الناس في مصر أن مبارك وسحرته لن يقض عليهم إلا الإيمان بالله تعالى ثم تطهير الحياة السياسية من الفاسدين.

وإذا كنّا قد تحدثنا في المقالات السابقة عن ضرورة التغيير باللجوء إلى الله تعالى ، وإحداث ثورة في القلب ، فاليوم نتحدث عن تطهير الحياة السياسية في مصر التي تعني تغيير الحرس القديم في كل الأحزاب والوجوه البالية التي عفا عليها الزمن ، وإنخراط الشرفاء والنزهاء والأكفاء في المعترك السياسي ، وبالطبع لم يعجب هذا الكثيرون واندهشوا حين رأوا إندفاع التيارات الدينية نحو العمل السياسي ، وهي دهشة غير مبررة من وجهة نظري ، لأن كثيراً من الناس كان يظن – وهو خاطئ في ظنه – أن الإسلام يُحرِّم السياسة ، ولعله قد قرأ بطريقة يعوزها الكثير من الفهم والتحليل بعض فتاوى العلماء التي تؤيد هذا الإتجاه المانع للممارسة السياسية ، أو أن هناك من يريد أن يضيق الخناق على التيارات الدينية لكي لا تمارس العمل السياسي حتى تكون دعوتهم فقط منبرية ، وهناك من استغل بسوء قصد هذا التغير الفكري للتيارات الدينية وأخذ يطعن في نزاهتهم وشرفهم .

لكن العمل بالسياسة ليس محرماً لذاته حتى ينفر منه المتدينون أو يشعرون بالعار من أجله ، بل هو في الأصل مباح إلى أن يقترن به ما حرَّم الله تعالى فيُحرم من أجل ذلك ، ولذلك كان التيار السلفي على وجه الخصوص بعيداً عن السياسة ليس كفراً بها ، وإنما لأنه لا يستطيع أن يداهن في دين الله تعالى ، لا يجرؤ على سن تشريعات وقوانين يخالف ما أنزل الله تعالى ، فرأى أن الوقت ليس مناسباً لهذه اللحظة ، وله في من سبقهم عبرة ، فهل استطاع الإخوانيون أن يغيروا كلمة (موافقة) على القوانين التي تخالف دين الله تعالى ، اللهم إلاّ تسجيل الإعتراض في مضبطة الجلسة ، لأجل هذا كان السلفيون يرون أن الوقت لم يحن بعد لخوض مثل هذه التجربة والمشاركة بفعالية في هذا البرلمان ، فلما سنحت الفرصة وتغير المشهد السياسي في مصر ، كان القرار بالمشاركة ، ولما لا !!!

والحق أن العمل بالسياسة ليست حكراً على أحد وليس مفصلاً على مقاس أحد ، ولكن بشرط أن تكون قادراً على تحمل تبعاتها ، ومؤهلاً للإشتغال بها ، فبعض الناس يرغب بها يريد حصانتها من أجل ممارساته غير المشروعة ، وبعض لا يقدر على قيادة بيته ويريد أن يقود أمة.

فالمرشح للمنصب السياسي يجب أن يعلم أنه لن يكون مثل الصحابي الجليل أبي زر الغفاري رضي الله عنه الذي قال : يا رسول الله ، ألا تستعملني ، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده على منكب أبي ذر ثم قال ، يا أبا ذر : إنك ضعيف ، وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ) رواه مسلم في صحيحه ، فهل عند مرشحينا هذا الوعي الذاتي لحقيقة النفس ؟ هل عند مرشحينا من يقول لنفسه إنها أمانة وستكون عليّ وبالاً وخزي وندامة لو ما أديت حقها ؟!!

المرشح السياسي ينبغي أن يكون عالماً بنفسه وبنيته التي من أجلها أراد أن يرشح نفسه ، هل هو بارز في مجال معين ويستطيع أن يكون إضافة لها قيمة ، أو يكون رقماً مهماً في معادلة السياسة الصعبة ، بل ينبغي عليه أيضاً أن يستشير المقربين منه من الأهل والجيران والأقارب والأصحاب عن رغبته في خوض الإنتخابات ، فربما كان المقربون منه لا يرونه صالحاً ، فإذا كان هذا المرشح فاقداً لأصوات أقرب كتلة تصويتية له فهل سينجح في إقناع الآخرين بذلك، أشك !!

وعلى صاحب الصوت أن يعلم أن صوته سيكون عنه مسئولاً يوم القيامة ، هل باع صوته لمرشح في مقابل منفعة شخصية أو مقابل مادي أو غير ذلك ، أم أنه قد درس وذاكر كل المرشحين ثم استخار الله تعالى في مرشح معين رجحت كفته عنده لكفاءته وصلاحيته وتميزه عن الأخرين.

ثم على أي أساس سيكون الإختيار وأي معيار ستكون المفاضلة بين المرشحين ، انظر معي ، قالت الفتاة لأبيها وهي أعلم بظروفه وحالته : { يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ } [القصص: 26] ، فمن تأمل القرآن الكريم وجد هاتين الصفتين (القوة والأمانة) بينهما تلازماً ظاهراً ، وسيجد أن أعظم عناصر النجاح والكمال فيمن يؤدي عملاً من الأعمال والتي يجب أن يتحلى بها هي القوة والأمانة .

لقد وصف به الله تعالى جبريل عليه السلام ، وهو الذي اختاره الله تعالى ليبلغ الرسالات إلى الأنبياء في قوله : {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (*) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (*) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِين} [التكوير: 19 - 21]

وجاء في قصة سليمان عليه السلام، لما عرض أمر إحضار عرش بلقيس ملكة سبأ على من كان عنده: { قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (*) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}[النمل: 38، 39] ، فزكى عفريت الجن نفسه قائلاً : { وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}.

ويوسف عليه السلام لما رأى في رؤياه مصير مصر القادم ، ورأى من نفسه الكفاءة وأنه يستطيع بإذن الله تعالى أن يتجنب المخاطر الإقتصادية والزراعية التي ستصاب بها مصر في هذه السنين العجاف فقال :{ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } [يوسف: 55] ، (حفيظ) أي لا أضيع ما أوكل إلي من مهام ، و(عليم) بالتدابير اللازمة لتصحيح الأوضاع.

فمن هو هذا القوي الأمين الحفيظ العليم ، الذي ستفتح له مصر ذراعها من أجل إعادة البسمة إلى شفاه المصريين ؟

شارة فيسبوك

post

احدث مواضيعنا

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة