الاسلام سؤال وجواب

الثلاثاء، 7 يونيو 2011

من أين لك هذا ..!!

لا يوجد من لا ينشغل بأمر رزقه ، و لا يوجد من لا يهتم بجمع المال ، وكل واحد لديه سبباً وجيهاً لينشغل بهذا الشأن ، فهناك من يريد الزواج ، أو هو العائل الوحيد لأهله يريد الإنفاق على أخوته وأمه ، أو يسدد التزاماته ، أو يقضي ديونه ، أو يستثمر في البورصة أو يبني عقاراً أو يشتري أصلاً ، أو يدفع مصروفات أولاده المدرسية والجامعية ، أو يريد السفر ، وهكذا الكل يريد العمل .

وخطورة الموضوع لسهولة الحرام ، فقد كثرت طرق اكتساب المال من الأعمال الوظيفية والأعمال الحرة ، ولا يخفى عليكم أننا نعيش في زمان لا يهتم فيه الكثيرون بمصدر ماله من أين حصل عليه ، إلاّ من رحم الله عز وجل ، مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام ) رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

وأنا هنا لا أتحدث عن المعاملات المحرمة في جمع المال مثل الرشوة والسرقة والنصب والإحتيال والغش ، ولكن أتكلم عن مصدر يتوهم صاحبه أنه يُحصّل رزقه من مال طيب حلال وهو في الحقيقة غير ذلك ، وإنما ألتبس عليه الأمر ، لعدم تثبته أولاً من شرعية المعاملة التي ينتهجها.

وأول ما يجب عليك أن تعلمه قبل أن تكتسب مالك أن تعلم جيداً أنك عنه مسئول ، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تزول قدما عبد حتى يسأل أربع : عن عمره فيم أفناه ، و عن علمه ما فعل فيه ، و عن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه ، و عن جسمه فيم أبلاه ؟ ) صحيح الجامع للألباني.

ثم اعلم – رحمك الله – أن الإنسان الذي يتحرى الحلال الطيب في رزقه لا يخشى بعد ذلك من فوات شيء دنيوي عليه ، فمثلاً لو أنك تريد شراء بيتاً أو سيارة ولم تجد أمامك غير الإقتراض الربوي ، فلا تفعل ولا يهمك فوات ما تريد شراءه عليك ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول :
( أربع إذا كان فيك ، لا يضرك ما فاتك من الدنيا : حفظ أمانة ، وصدق حديث ، وحسن خليقة ، وعفة طعمة ) رواه الإمام أحمد وصححه الألباني ، والمقصود بعفة الطعام هو أن يأتي من مصدر طيب حلال لا شبهة فيه .

وكذلك لا تُحصّل رزقك من معاملة مشبوهة أو اختلط فيها الحلال بالحرام ، خشية فوات رزقك فقد ضمنه الله تعالى لك ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن روح القدس نفث في روعي، أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله ، وأجملوا في الطلب ، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته ) صحيح الجامع للألباني.

وإذا أردت أن تكون مستجاب الدعاء ومقبول العمل ، فيجب عليك من تحري الرزق الحلال ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ). ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وهذه النصائح التي أنصح بها نفسي أولا ، ينبغي أن توضع في الإعتبار ، ونوليها الإهتمام اللازم قبل أن نخطو الخطوة الأولى في أي نشاط نريد الإستثمار أو العمل فيه ، إذ أن أسواق المال العالمية فضلاً عن المحلية اليوم في أمس الحاجة إلى تلك الضوابط التي جاء بها الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا وطبقها المسلمون لأكثر من عشرة قرون ولم يشهد التاريخ لهم بأزمات عاصفة كما حصل مع الحضارة الغربية حيث اعتاد مسئولوها الصراخ والعويل.

ويكمن السر في هذه الضوابط أنها مشمولة بالأوامر والنواهي الإلهية ، فمن يأخذها بقوة يكون محفوظاً بالعناية الربانية ، ومن يُعرض عنها ، فسيوكل إلى نفسه ، ففرق كبير بين من يسمع لكلام الله ويطيع وبين من يسمع ويعصي ، قال تعالى : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) { القلم : 36}

ثم أن هذه الأوامر والنواهي الإلهية والنبوية ، ما قيلت إلاّ لأنها الأفضل والأحسن في مجال الإختيارات الإقتصادية ، فضلاً عن إنها من باب التشريع المأمورين بالأخذ به ، فالله تعالى حين يُحرم الربا ، لا ينبغي أن يخرج علينا من يقول أنها إقتصاديات السوق ، والعرض والطلب وآليات السوق الحرة ، وغيرها من الترهات التي يلبسها إبليس على المفتونين بالحضارة الغربية.

وحين ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيوع محرمة فلا ينبغي أن نتنظر الحضارات الأخرى لكي تكتشف لنا أهمية مثل هذا النهي مثلما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاقتصاد الورقي : ( لا تبع ما ليس عندك) رواه أبو داود وصححه الألباني ، لما لذلك من جهالة وغرر تزيد من احتمالات النزاع ووجود كثير من حالات البيع والشراء الوهمية تؤدي في الغالب إلى تدهور الحالة الاقتصادية .

فلا نصدقه إلا إذا تنبهت إليه أسواق البورصة الأجنبية لما عمدت للتخفيف منها حين وجدوا أن القائمين على العملية يبقون ولمدة شهر مدينين وبالتالي يمكنهم بيع وشراء الأصل ذاته عدة مرات وحصد أو قبض الفوارق الحاصلة بين الأسعار المتغيرة يومياً ، أو لما تصدر الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية وهي أعلى هيئة رسمية تعنى بمراقبة نشاطات البنوك قرارا يقضي بمنع تداول الصفقات الوهمية والبيوع الرمزية التي يتميز بها النظام الرأسمالي واشتراط التقابض في أجل محدد بثلاثة أيام لا أكثر من إبرام العقد.

لذلك كله ، ينبغي علينا أن نفكر ملياً ونستشير كثيراً من الناحية الإقتصادية وكذلك الشرعية جدوى المشاريع التي نريد الإستثمار فيها أو العمل في نشاطها ، حتى نضمن أن الذي يدخل في جوفنا ويصرف على بيوتنا من الحلال الطيب الذي يبارك الله فيه لصاحبه .

ليست هناك تعليقات:

شارة فيسبوك

post

احدث مواضيعنا

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة